سليمان شفيق

النخب السياسية بين الانتهازية وإدمان الفشل

الأحد، 11 أبريل 2010 07:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من يتأمل مطالب أنصار الدكتور محمد البرادعى فيما يسمى بالجمعية الوطنية المصرية للتغيير، سيجدها تنحصر فى تعديل ثلاث مواد بشكلٍ رئيسى وهى : المادة 76 و 77 و88، يُضاف إليها ستة مطالب أخرى تجسد سلطات رئيس الدولة وطريقة إدارة النخبة للبلاد فى محاولة لإرضاء عباد الله من الشعب المصرى الذين سوف يتحملون دفع فاتورة التغيير المنشود والتصدى لقمع السلطة.
وما أشبه اليوم بالبارحة فإذا عُدنا إلى التاريخ على طريقة الفلاش باك فى السينما، سنجد أنه قد جرى استخدام الشعب المصرى لتحقيق مصالح تلك النخب السياسية منذ تأسيس الدولة الحديثة وحتى الآن؛ بدءاً من نقيب الأشراف السيد عمر مكرم الذى اتخذ من انتفاضة الشعب المصرى ضد ظلم المماليك وسيلةً للوصول إلى الحكم عن طريق محمد على( 1805)، فما كان من الأخير إلا أن أزاح نقيب الأشراف واستبد بالحكم عبر تمكين أسرته العلوية من الأرض وكل مقومات الحياة المصرية، إذ لم تكن آليات الدولة الحديثة التى سعى إليها إلا وسيلة لتوريث أبنائه وأحفاده إمبراطورية مترامية الاطراف على حساب الشعب المصرى الذى دفع حياته ثمناً للإمتدادات العسكرية التى قادها ابنه ابراهيم باشا _ ناهيك عن تلك الدماء التى بذلها أبناء الشعب المصرى أيضاً لحفر قناة السويس فى عهد اسماعيل باشا _، وحينما عجز محمد على عن الانفراد بالحكم هو وأبناء أسرته أرسل البعثات شرقاً وغرباً من أجل صناعة طبقة جديدة من الموظفين المثقفين والتكنوقراط، وعندما احتاج سعيد الابن إلى طبقة تدين بالولاء له أعلن اللائحة السعيدية ( 1861) التى وزعت بعض الأراضى الخاصة بالدائرة (السنية) بما لا يزيد عن 5 % من مساحة كل الأرض المملوكة للأسرة؛ ومن خلال ذلك ظهرت طبقة كبار الملاك وكبار الموظفين التى تدين بالولاء للأسرة الحاكمة، تلك الطبقة التى ينتمى إليها مصطفى باشا كامل وقيادات الحزب الوطنى القديم الذين ظهروا بتحفيزٍ ورعايةٍ من الخديوى عباس حلمى من أجل إزكاء التناقض مع المحتل الإنجليزى، وحينما نُفى الخديوى لم يراهن مصطفى كامل على الشعب المصرى وانما راهن على الدولة العثمانية والأستانة وبعد وفاة مصطفى كامل لم يراهن محمد بك فريد أيضاً على المصريين وانما راهن على اوروبا الفرنسية تارةً والالمانية تارةً رغم ان شعاره كان " مصر للمصريين !!"؛ ومن هذه الطبقة أيضاً ظهر سعد زغلول باشا وقيادات الوفد التاريخية ؛ هؤلاء الذين فوضهم الشعب لتمكينه من الاستقلال، والطريف أن سعد ورفاقه الذين كانوا على جهلٍ تام بردود أفعال الشعب المصرى قد فوجئوا تماماً بقيام ثورة 1919، وحينما تطورت الثورة الى أبعاد إجتماعية هاجم فيها الفلاحون قصور الإقطاعيين، أصدر سعد باشا العديد من البيانات يطالب فيها الشعب بالهدوء .. ولا يحتاج الأمر إلى تفسيرٍ أكثر من أن سعد باشا وقيادات الوفد كانوا ضد التغيير الجذرى من أجل الحفاظ على مكاسب النخبة من ناحية وخوفاً من مصير الزعيم الراديكالى أحمد عرابى من ناحية أخرى، ولذلك فالقيادة الإقطاعية لثورة 1919- مع كامل احترامنا لها - استخدمت الشعب لتحسين شروط وجودها بجوار السلطان او الملك فلم تخرج مطالبها عن دستورٍ يقنن علاقة هذه الطبقة بالحكم ويربط فى الذهنية الشعبية بين الدستور والإستقلال، وبالطبع لم يحدث الاستقلال إلا فى عام 1954 ولم يُطبَّق دستور 1923 إلا لسبع سنواتٍ فقط فى ظل حكومات الوفد، كما أن الإصلاح الزراعى قد رُفض تطبيقه إبان هذه الحكومات، وكذلك مجانية التعليم لم تكن متاحة إلا للتعليم الابتدائى فقط فى ظل وزير المعارف الوفدى د.طه حسين 1950، ومن المعروف ان نصف الشعب المصرى من فلاحين وفقراء مدن كانوا حفاة !
كما ان الإدعاء بالليبرالية والعلمانية والوحدة الوطنية والهلال والصليب كلها كانت ادعاءات غير حقيقية حيث انه فى هذه المرحلة صدرت الشروط العشرة لبناء الكنائس على يد العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية 1930، ومما يدعو للسخرية ان احتفالاتنا بعيد المرأة 8 مارس تُنسب إلى استشهاد النساء فى ثورة 1919، تلك المرأة التى دفعت دماءها ولم تحصل على حقوقها السياسية إلا فى عهد عبد الناصر 1956 !!
وفى عهد عبد الناصر (1952-1970 ) ناب عبد الناصر عن الشعب بما أعطاه لهم من مكاسب إجتماعية على حساب مصادرة الروح المصرية كليةً حيث كان ناصر هو القانون والدستور والنظام ؛ ذلك الذى تمت عسكرته بشكلٍ شبه كامل واكتفت النخب المدنية بقيادة التنظيم السياسى الوحيد للاتحاد الاشتراكى العربى، والطريف أننا لم نسمع من ا. محمد حسنين هيكل حينذاك أية اقتراحاتٍ للمطالبة بالدستور كما يفعل الآن.
أما فى عهد الرئيس السادات فقد استطاع بحنكته ودهاؤه ان يجعل الشعب المصرى يدفع فاتورة هزيمة 1967 ويتحسر هو وطبقته على مكاسب انتصارات 1973، وسنجد ان نظام يوليو منذ 1952 وحتى 1981 قد استغل الشعب والنخب المدنية عبر مغازلتهم بذات المطالب سالفة الذكر بدءاً من بيان 30 مارس 1968 وحتى ما سُمى بثورة التصحيح 1971، فحينما لم يحصل الشعب على اى شئ وقامت انتفاضة يناير 1977 عجّل السادات بالارتماء فى احضان الغرب الامريكى واسرائيل متكئاً على احلام رخاء ما بعد السلام، الأمر الذى لم يحدث حتى إطلاق خالد الإسلامبولى رصاصاته على السادات والنظام، ليقود الرئيس مبارك هذه الطبقة الحاكمة بأساليب جديدة للحفاظ على مصالحها عن طريق رفع لافتات مواجهة الإرهاب والإصلاح الاقتصادى والاصلاح السياسى والدستورى، ولم تطالب النخب المعارضة طوال فترة حكم الرئيس مبارك بأية مطالبٍ بخلاف ما يتعلق بمصالحها عبر الاصلاح الدستورى السابق الإشارة إليه.
ومن عمر مكرم إلى محمد مصطفى البرادعى لم تتقدم هذه النخب المعارضة او الساعية للحكم بأية إصلاحات اجتماعية سوى خلال الفترة (1960- 1966) .
وهكذا وعبر تأمل قوانين التغيير الاجتماعى سنجد ان الديكتاتور صدقى باشا هو مؤسس اتحاد الصناعات لا يختلف كثيراً عن احمد عز الذى احدث اكبر تراكم استثمارى فى مصر وصل الى حد الاحتكار، كما اننا لابد ان ندرك التشابه التاريخى بين توزيع سعيد باشا للاراضى ليصنع طبقة من كبار الملاك تدين له بالولاء، وبين اللائحة الابراهيمية - نسبة إلى محمد ابراهيم سليمان - لصناعة طبقةٍ عقاريةٍ جديدة تدين بالولاء للرئيس مبارك .
اخيراً أرجو من القارئ أن يتأمل هذه المسيرة الطويلة التى لم تبدأ بنقيب الاشراف عمر مكرم ولن تنتهى برئيس الجمعية المصرية للتغيير .
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولهم .








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة