ناصر عراق

الأخلاق والتقدم

الإثنين، 31 مايو 2010 08:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أكثر الأخطاء الفادحة عن كيفية نهوض الأمم هو الربط بين شيوع الأخلاق الحميدة وبين هذا النهوض! وهو ربط – إن لم يكن خاطئاً – فهو غير دقيق بالمرة. فالأخلاق الفاضلة، على الرغم من ضرورتها لتماسك المجتمع، إلا أنها لا تكفى لأن تنهض أمة أو يتقدم شعب. ذلك أن التقدم مرهون أولاً وبصورة قاطعة بوجود قيادة سياسية تتمتع بخيال خصب وإرادة من حديد.

هذه القيادة هى التى تدير شئون المجتمع وتضبط إيقاعه، من خلال وضع الخطط لتطوير الصناعة والزراعة والتعليم والاستثمار والثقافة... الخ. وهى التى تحافظ على استقلال الوطن فتدخل فى علاقات سياسية متوازنة مع جيرانها ومع القوى الكبرى فى العالم. وهى أيضاً التى تحلم وتكدح من أجل إقامة مجتمع أكثر عدلاً وإنصافاً وجمالاً.

حسناً: لماذا نلقى بكل هذه المهام الثقيلة على القيادة السياسية فقط؟
ببساطة لأنها تملك القرار والسلطة على تنفيذ هذا القرار، فعندنا فى مصر مثلاً: القيادة السياسية هى التى قررت بيع القطاع العام، وهى التى أهملت قضية ماء النيل، وهى التى تقمع المعارضين وتفرض قانون الطوارئ، وهى التى أطلقت غول الفوضى لينتشر فى كل أرجاء حياتنا... الخ. هذا هو المحصول المر الذى زرعته القيادة السياسية عندنا طوال أربعة عقود بائسة.

أما فى كوريا الجنوبية على سبيل المثال – وقد زرتها ثلاث مرات – فالقيادة السياسية عندهم هى التى جعلتهم من أغنى عشر دول فى العالم (متوسط دخل الفرد هناك بلغ 23 ألف دولار فى العام بعد أن كان 105 دولارات فقط قبل 45 سنة). والقيادة عندهم هى التى وضعت الخطط ووفرت الميزانيات الكفيلة بتطوير الصناعات التكنولوجية، وهى التى ألهمت شعبها لينجز وينتج وينافس ويحقق ذاته فى عالم متشابك ومعقد لا يرحم الضعفاء.

إذا جئنا إلى الأخلاق الحميدة التى يمكن أن يتحلى بها شعب ما، فإنها لا يمكن أن تغير أو تطور أى مجتمع إذا لم تكن القيادة السياسية التى تحكم هذا المجتمع مشمولة بالخيال والرغبة فى تطويره. خذ عندك مثلاً: الشعب المصرى فى معظمه يتسم بحسن الأخلاق والسير على الصراط المستقيم، ومع ذلك نعانى نحن المصريين الأمرين فى حياتنا من فقر وبطالة وفساد وفوضى وقبح.

لماذا؟
لأن القيادة السياسية عندنا لا تتمتع بخصال تؤهلها لأن تقود المجتمع نحو آفاق أرحب، فلا تجيد إدارة شئون الدولة بما يحقق للناس أحلامهم وطموحاتهم فى تشييد مجتمع فاعل ومنتج وحديث. مجتمع عصرى يتكئ على الحرية والعدل وينفر من الاستبداد والظلم.

يبقى سؤال مهم: ألا يمكن أن تؤدى الأخلاق الحميدة التى يتسم بها شعب ما إلى تغيير قيادته السياسية الفاشلة؟

الإجابة ممكن، بشرط أن ننتبه إلى ضرورة أن ينخرط أصحاب الأخلاق الحميدة فى عمل سياسى منظم يسعى إلى التغيير السلمى للسلطة التى أخفقت فى إنجاز ما يحلم به الناس. أما إذا ظن أصحاب هذه الأخلاق أنهم بالسير على الصراط المستقيم فقط يمكن أن يغيروا شيئا، فهم بذلك واهمون ولن ينجحوا فى إحداث التغيير المأمول. نعم سيظل هؤلاء يكافحون من أجل فرض الأخلاق الحميدة والدعوة إليها، بينما القيادة السياسية تفعل بالشعب ما تشاء من دون رادع ولا وازع!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مختار

ياريت استكمال المقال

في ظل توفر القيادة والاراده ياريت نرجع لبناء مجتمع اخلاقي لان الفساد المجتمعي اصبح اكبر عقبه الفساد الي وصل لكل افراد المجتمع من المدرس للاستاذ الجامعي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة