براء الخطيب

يخرب بيتك يا مجرم

الثلاثاء، 04 مايو 2010 07:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أن "الكابتن مدحت شلبى" معلق كروى خفيف الظل وعلى دراية كافية بكرة القدم وفنونها، ولا شك أيضا أنه كان ضابط بوليس سابق برتبة لواء، ولا شك أيضا أنه عندما يصيح بحماس منقطع النظير: "يخرب بيتك يا مجرم" عند إحراز لاعب كرة ماهر لهدف جميل وفيه مهارة تستحق الإعجاب، لا شك أنه عندما يصيح صيحته المشهورة إنما يعلن إعجابه باللعبة واللاعب ومن المؤكد أنه لا يهين اللاعب بوصفه بـ"المجرم" كما أنه لا يدعو الله أن يخرب بيت اللاعب الماهر الذى أحرز الهدف "الملعوب بحرفنة" مثل هدف "محمد بركات" الذى عادل النتيجة بين "الأهلى" و"الزمالك" فى الوقت الضائع وأكد لـ"حسام البدرى على الاحتفاظ بدرع الدورى للنادى الأهلى وأضاع على "حسام حسن" نشوة الانتقام من جمهور "الأهلى" الذى أصبح يسبه بهتافاته غير المهذبة ولافتاته المستفزة للتوأمين، ولذلك فقد راح لواء البوليس السابق يعلن إعجابه منقطع النظير بـ"محمد بركات" وراح يصرخ فى المشاهدين من فرط الإعجاب وهو يمدح "بركات" بصيحته المشهورة: "يخرب بيتك يا مجرم"، وفى قناة فضائية تتبع الدولة يظهر تنويه يدعو مشاهديها لانتظار برنامجها المهم حيث يظهر فى هذا التنويه "الكابتن أحمد الطيب" وهو معلق ومحلل كروى ذكى وشديد التهذيب وعلى دراية بكرة القدم وفنونها كما يبدو أنه على درجة من الثقافة قد تميزه عن أقرانه من المعلقين، وفى هذا التنويه التليفيزيونى يظهر "أحمد الطيب" وهو يقول: "إذا كانت الجريمة سوف تحقق لى هدفى فأهلا بالجريمة" و"الكابتن الطيب" يقول هذه الجملة بطريقة حماسية يحسد عليها، وأنا لا أعرف السياق الذى قال فيه هذا القول، لكن لا شك أنه لم يكن يقصد الترويج للجريمة كما أن قناة الدولة الفضائية مشهود لبرامجها باحترام المشاهدين وبتميز كل مقدمى برامجها ومما لا شك فيه أن القناة الفضائية لا تقصد بالتأكيد التنويه عن "جريمتها القادمة"، وما يهمنى هنا هو مناقشة "الإعجاب بالمجرم" وبـ"الجريمة التى تحقق الهدف" مناقشة هذا الإعجاب المترسب فى اللاوعى الجمعى، ذلك الإعجاب الذى يجعل من المجرم "نموذجا" للشاب الذى يمكن أن نعجب به وبالجريمة "وسيلة مشروعة" لتحقيق الأهداف.

الإعجاب اللاواعى المترسب فى اللاوعى بالمجرم ليس مقتصرا على "مدحت شلبى" ولا "أحمد الطيب" ولا على المصريين فقط بل أننا سوف نجد هذا الإعجاب عند أكثر الشعوب تمدينا وسوف نجد فى فترات الانحطاط نوعا من الفن والأدب الذى يمتدح المجرمين ويحولهم إلى "نماذج" للبطولة مثل روايات "أرسين لوبين" وأفلام "روبين هود" بل إن "مفهوم الجريمة" يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر لكن هناك اتجاه غالب يربط دائما بين أمراض السلوك وبين السلوك الإجرامى ولكن هذا الربط بين المرض وبين السلوك الإجرامى قد أدى إلى أخطاء كثيرة فى تفسير "مفهوم الجريمة" بل إننا سوف نجد أن كل الآراء التى اتجهت إلى محاولة تفسير الجريمة وإرجاعها إلى سبب واحد مثل الجهل أو الفقر أو الاضطرابات النفسية أو سوء الحالة الأسرية أو القدوة السيئة أو الإعلام السيئ أو ما أشبه قد فشلت جميعها والاعتقاد العام بين الباحثين الآن أن ظاهرة الجريمة مرتبطة بجذور متعددة تتفاعل فى بيئة معينة و ظروف معينة لا يمكن حصرها يتولد عنها السلوك الإجرامى فى النهاية، وإذا ارتدينا نظارة علم الاجتماع فسوف نرى أن الجريمة من منظوره هى "كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة و ما هو عدل فى نظرها، أو هى انتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه، أو هى انتهاك و خرق للقواعد والمعايير الأخلاقية للجماعة"، أما إذا ارتدينا نظارة علم النفس فسوف نرى من منظوره أن الجريمة هى "إشباع لغريزة إنسانية بطريقه شاذة لا يقوم به الفرد العادى فى إرضاء الغريزة نفسها وهذا الشذوذ فى الإشباع يصاحبه علة أو أكثر فى الصحة النفسية وصادف وقت ارتكاب الجريمة انهيار فى القيم و الغرائز السامية، أو أن الجريمة هى نتاج للصراع بين غريزة الذات أى نزعة التفوق والشعور الاجتماعى". أما من وجهة نظر القانون فالجريمة هى "كل عمل يعاقب علية بموجب القانون، أو ذلك الفعل الذى نص القانون على تحريمه ووضع جزاء على من ارتكبه، وهذا بالطبع لا يدعو أى إنسان، حتى ولو بشكل غير واع، للإعجاب بالمجرم أو بالجريمة ويجب على الإعلاميين المهرة أمثال "مدحت شلبى" و"أحمد الطيب" مساعدة محبيهما من جماهير مشجعى كرة القدم من أمثالنا على التخلص من ذلك الإعجاب المترسب فى لاوعينا بالمجرم والجريمة التى تحقق لنا أهدافنا، فلا يمكن أن يتصور "الكابتن أحمد الطيب" نفسه وهو يقتل إعلاميا أخر" حتى يحقق هدفه فى أن يصبح "الإعلامى الرياضى الأول" فى الفضائيات الناطقة بالعربية، كما أن السيد اللواء "مدحت شلبى" لا يمكن أن يلتفت إلى جواره للشيخ "طه إسماعيل" معجبا بتحليله وهو يصيح فى وجهه: "يخرب بيتك يا مجرم" أو أنه يصفق فى إعجاب للصحفى الكبير الوقور "فتحى سند" صارخا فى وجهه: "يخرب بيتك يا مجرم" فطريقة إظهار الإعجاب بـ"محمد بركات" أو "شيكابالا" لا تختلف عن طريقة إظهار الإعجاب بالشيخ "طه إسماعيل" أو الوقور "فتحى سند"، وما دمت قد تحدثت عن كرة القدم فأود أن يسمح لى الناقد الرياضى اللامع الدكتور "علاء صادق" بتصحيح معلومة تاريخية بالغة الأهمية عن تاريخ الكرة الشراب أو الكاوتش فى ميدان "زين العابدين" وشارعى "جرين" و"الرصافة" فى حى "محرم بك" بمدينة "الإسكندرية"، معلومة ذكرها فى حواره مع الكابتن الرائع "محمود بكر" عن أهم لاعب كرة شراب وكاوتش، حيث قال أن اسمه "حسن أيار" ولكن الاسم الصحيح هو "سعيد أيار" فقد كنت أنا فى أوائل الستينات من ضمن لاعبى فريقه، ويشهد على ذلك الدكتور "إسماعيل فايد" نائب رئيس "نادى سموحة" الآن عندما كنا نلعب معا فى شارع "قناة السويس"، وكنت أنا تلميذا سيئا فى مدرسة "الإسكندرية الثانوية" أعانى من الحصول على الثانوية العامة ومن أسرة متوسطة وكان الدكتور "إسماعيل فايد" تلميذا مجتهدا فى مدرسة "العباسية الثانوية" ومن أسرة موسرة، لكن هذه قصة أخرى ربما أجد مناسبة ما لحكايتها، وبالمناسبة فإنى أنتهز الفرصة لأهنىء صديقى القديم الدكتور "إسماعيل فايد" بصعود فريق نادى سموحة للدورى الممتاز وأتمنى ألا يغضب منى إذا أبديت إعجابى به على طريقة اللواء "مدحت شلبى" قائلا: "يخرب بيتك يا مجرم".
* كاتب وروائى مصرى









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة