براء الخطيب

حكايات رمضانية: كهرباء الحكومة سوداء

السبت، 21 أغسطس 2010 08:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد صلاة التراويح رأيته على ضوء مصباح بعيد فى الشارع وهو يجلس إلى جوارى على رصيف المقهى وعلى بعد نصف خطوة منى، كانت الكهرباء مقطوعة قبل الإفطار فى المنطقة التى نسكن فيها فى حى الهرم، طلب لنفسه شيشة معسل وكوبا من التمرهندى، جذب أول نفس من الدخان فى عمق وأخرجه فى نفثات متقطعة كما لو كان فمه قد تحول إلى فوهة شكمان سيارة موتورها مفوت فاكتسى لون الدخان زرقة شاحبة قد اكتسبت شحوبها من شحوب الضوء الذى نجلس فيه انتظارا لوصول التيار الكهربائى حتى نبدأ لعب الطاولة، ودون مقدمات كعادته بدأ يتحدث قائلا:

- "على كل أفراد الشعب المصرى أن يشكر الرئيس مبارك لأنه تدخل لاحتواء الأزمة بين "حسن يونس" وزير الكهرباء "وسامح فهمى" وزير البترول وكرة القدم وطالبهما بحلول سريعة للحد من انقطاع الكهرباء فقد نشرت الصحف اليوم أن الرئيس مبارك عقد اجتماعاً وزارياً مصغراً بمقر رئاسة الجمهورية، بحضور الدكتور "أحمد نظيف" رئيس وزراء الكومبيوتر رئيس الوزراء، ووزيرى الكهرباء والبترول، ود. زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وشدد الرئيس مبارك على ضرورة إيجاد حلول سريعة للحد من انقطاع الكهربا وإلا قطع الكهرباء عن بيوتهم، حتى يتساووا ببقية أفراد الشعب، ومن الغريب يا أخى أن الكهرباء تنقطع عن كل أحياء القاهرة الكبرى بما فيها محافظة ستة أكتوبر ما عدا حى الشيخ زايد الذى يسكن فيه الدكتور نظيف رئيس الوزراء والكومبيوتر".

جذب الرجل نفسا من دخان الشيشة أعمق من سابقه ومع أول خروج للدخان من خياشيمه تابع حديثه قائلا:
- " كانت الحاجة أم سيف زوجتى تقف فى المطبخ قبل انطلاق مدفع الإفطار بربع ساعة وهى تستعد لعمل أنجر الفتة الذى كانت قد أخرت عمله للحظات الأخيرة حتى نأكله ساخنا وأنت تعرف أن الفتة لا تؤكل إلا ساخنة، وقشرت حبات الثوم ودقتها مع الملح والفلفل والكمون فى الهون تمهيدا لعمل الطشة بالخل، وفجأة انقطع التيار الكهربائى فانطلقت "أم سيف" فى الدعاء على من كان السبب فى انقطاع الكهرباء وشملت دعواتها الحكومة التى لم تعد تهتم بحياة البشر وخصت الدكتور "نظيف" بقسم شديد من غضبها، حاولت تطييب خاطرها وقلت لها سوف أذهب للمسجد القريب لتأدية صلاة المغرب ثم أعود لنفطر سويا مع الأولاد وسوف يعود التيار الكهربائى إن شاء الله فليس معقولا أن تظل الكهرباء مقطوعة طوال هذه المدة، ذهبت للمسجد وصليت المغرب جماعة وصليت ركعتى السنة فى الظلام وأنا أدعو الله أن يعيدوا لنا الضوء حتى نتمكن من الإفطار الشهى لكن الكهرباء ظلت على عنادها وتناولنا طعام الإفطار فى الظلام ومع كل ملعقة من أنجر الفتة كنت أسمع تمتمات "أم سيف" وهى مستمرة فى الدعاء على الكومة كلها وقد خصت الدكتور "نظيف" بدعوات خاصة جدا، انتهيت من تناول الإفطار فى الظلام وتوضأت تمهيدا للذهاب للمسجد لصلاة العشاء والتراويح وطمأنت "أم سيف" بأن التيار الكهربائى لن يستمر فى انقطاعه حتى صلاة العشاء فلا يمكن أن تجعل الحكومة الناس تصلى فى الظلام ومع ذلك فقد صليت العشاء والتراويح فى المسجد فى الظلام ورأيت بأم عينى الإمام وجميع المصلين يرفعون أيديهم فى ضراعة وهم يدعون الله فى هذه الأيام المباركة لقضاء حوائجهم كما هى عادة المسلمين فى مثل هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل، غير أنى وجدت نفسى أدعى على الحكومة بنفس الدعوات التى كانت تدعى بها "أم سيف" وكنت متأكدا من أن إمام المسجد وبقية المصلين كانوا يدعون أيضا على الحكومة".

لمح الرجل شبح الابتسامة على شفتى فتجاهل ابتسامتى وتابع حديثه قائلا:
- "اسمع، دعنى أفسر لك الأمر على طريقتى، الحكومة لا تقطع الكهرباء على خلق الله بل بفضل رئيس الوزراء الكومبيوترى الذى يهتم بالتطور التكنولوجى اهتماما بالغا مما دفعه لأن تخترع الحكومة نوعا جديدا من الكهرباء، هذه الكهرباء الحكومية الجديدة لا تضىء بالطريقة القديمة بهذا الضوء التقليدى بل طورت حكومة الدكتور "نظيف" الضوء القديم بضوء أكثر شاعرية ورومانسية تناسب المسلسلات الرمضانية وهو الضوء الأسود، الذى يظنه الناس ظلاما، لا وألف لا، فهذا ليس ظلاما ناتجا عن انقطاع التيار الكهربائى بل أن فكهرباء الحكومة أصبحت تضىء بالضوء الأسود، فأدعو معى أن يضىء الله سبحانه وتعالى كل بيوت الوزراء بهذا الضوء الأسود الشاعرى الجميل".

لم ينتظر الرجل أن أدعو معه وترك الشيشة فى زهق ووقف منصرفا وهو يستكمل دعواته على الحكومة وهو يخص الدكتور "نظيف" بدعوات خاصة فلم أستطع منع نفسى من أن أقول: "اللهم آمين".

• كاتب وروائى مصرى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة