سعيد الشحات

القطن الذى صنع بهجتنا يوما ما

السبت، 01 يناير 2011 02:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لحقت بزمن كان غناء الصبايا للقطن المصرى وقت جمعه، فأنا من قرية كوم الآطرون مركز طوخ محافظة القليوبية، وأحب ذكرها كلما فى كتاباتى، كلما سمحت الفرصة لذلك، كنوع من رد الدين إليها، كما أننى أرى فيها تلخيصا لحالة الشعب المصرى عبر تاريخه، فهى قرية قدمت الشهداء فى كل حروب مصر، وساهم فلاحوها فى حفر قناة السويس، وعاشت السياسة بكل عنفوانها، والثقافة بزهوها، وقدمت شخصيات نبيلة فى عطائها مثل عمدتها الأسطورى الراحل الحاج عزت عبد الحفيظ، تبرع بأربعين قيراطا من أجود أراضيه لبناء مدرسة ابتدائية عام 1960 صارت الآن مجمع مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية، ولما سألته ذات مرة، وكنا فى مطلع التسعينات من القرن الماضى عما إذا كان يشعر بالندم لأنه تبرع بهذه المساحة الكبيرة من الأرض تقدر الآن بمئات الآلاف من الجنيهات ولم تحمل حتى اسمه، فأجاب بنبرة صوت من أعماقه: "لا أشعر بالندم كنت أحلم بأن أكون عمدة على المثقفين وأنصاف المثقفين والمتعلمين بدلا من أكون عمدة على الجاهلين، وتبرعى بالأرض لبناء المدرسة هو الذى حقق لى هدفى".

كانت هذه إجابة العمدة الذى زامل إحسان عبد القدوس فى المدرسة الثانوية، وفى الصف الثانى عاد إلى قريتنا ليخلف والده فى منصب العمدة، وكانت قريتنا على عهده تزرع القمح والذرة والقطن، وتغنى الصبايا أثناء جمعه بأغانى مبهجة لا وجد لها مثيل الآن ولا تسجيل، كانت الأغانى تعبر عن حالة الفلاح الذى يضع آماله على المحصول فى أن يكون سنده لفك كربه، وتلبية حاجاته من تزويج بناته وأبنائه، وسداد ما عليه من ديون.

ولا أنسى ما ذكره خالى لى ذات مرة بأن أغانى القطن تحولت إلى حزن شجى فى عام 1970، لأن جمعة تزامن مع وفاة جمال عبد الناصر (28 سبتمبر عام 1970 )، وزاد فى قوله إنها أصبحت حزينة فى السنوات التالية، حتى اختفت تماما، ولما ذكرت لعمدتنا عما ذهب إليه خالى، علق قائلا: "فعلا خالك بيقول صح"، ورغم عدم يقينى مما ذهب إليه الخال والعمدة، إلا أننى فسرتها فيما بعد على نحو أنه تعبير عن شعور الفلاح بأن رحيل عبد الناصر كان فقدانا لأمان عاش فيه طوال فترة حكمه.

تذكرت عمدتنا وقطن قريتنا وغناء الصبايا وحكايات خالى، وأنا أتابع ما قاله مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق فى ندوة عقدتها كلية الزراعة جامعة القاهرة عن الأقطان المصرية، بأن اتفاقية تحرير السوق التى وقعتها الحكومة مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى عام 1994 تعد أبرز أسباب تدهور صناعة الغزل والنسيج حاليا وتراجع المساحات المنزرعة بالقطن، لأن الاتفاقية نصت على ألا تضع الحكومة أى استثمارات جديدة لتطوير مصانع الغزل الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى هذا المجال، وقال إن المساحات المزروعة قطن تراجعت بحدة بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج والعمالة وانخفاض أسعار القطن محليا نتيجة وقف تصدير الأقطان المصرية.

قال خطاب ما قاله وهو المسئول السابق، ويبقى فى هذه القصة البائسة عن القطن المصرى، إن ما حدث كان تدميرا منظما لمحصول طالما أدخل البهجة فى بيوتنا، وسرقها البنك الدولى بموافقة من مسئولين عز عليهم أن تسكن البهجة فى بيوت الفلاحين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة