محمود جاد

إمبابة.. السلفيون.. والثورة المضادة

الثلاثاء، 10 مايو 2011 12:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تولد الفتن إلا من رحم الخلط بين "الجريمة" و"الفريضة"، ولا تنال "الأيادى الخارجية" من مجتمع إلا إذا كان فاسد المناخ، مهيئاً لكافة مظاهر الاشتعال.. ربما يكون السلفيون أبرياء من الأحداث الدامية التى شهدتها إمبابة، لكن بينهم ـ بلا شك ـ من هيئ المناخ ليكون تجاوب رجل الشارع البسيط، الأكثر ميلاً للتدين مع شائعة احتجاز كنيسة لامرأة مسلمة، أمراً يفوق كافة حسابات العقل، خارجاً عن أعراف الأرض وتعاليم السماء معاً.

ربما لا يروق لك إلصاق تهمة الوقوف وراء مجازر إمبابة إلى السلفيين، وتبادر إلى اتهامى بـ"العلمانية" وتدعوا لى بالهداية، لكنى أؤكد لك أن ذلك الرجل البسيط الذى شاركنا جميعاً فى شحن مشاعره واستمع للداعية محمد حسان وهو يقول "المادة الثانية دونها الرقاب"، أو إلى خطبة "غزوة الصناديق" لمحمد حسين يعقوب، كان مهيئاً ومعصوب العينين وبارك الاعتداء على الكنيسة، وسلم عقله دون تفكير لزوج "عبير" ذلك الرجل الغامض، القادم من أسيوط إلى إمبابة حاملاً الفتنة بين يديه، فى غفلة من الجميع أمناً وإعلاماً، ومجتمعاً مدنياً.

دعاة السلفية استنكروا مجازر إمبابة، لكن كثيراً منهم متورطون ـ ربما ـ دون أن يدروا حينما اختزلوا قضايا الأمة فى النقاب، وامرأة أسلمت وأخرى تنصرت، وحين طالبوا من صوتوا على الاستفتاء بـ"لا" بالسفر إلى كندا.. وأغفلوا أن مصر على مشارف سنوات عجاف، وأن أمنها فى هذا الظرف التاريخى أهم وأولى من أى اعتبار، وأن احتواء الآخر الذى يقاسمنا المخاطر ذاتها والتحديات نفسها، أمراً لا لبس فيه فى كتاب الله وسنة نبيه.

قبل أن تنعتنى بالتحامل على السلفيين، أدعوك إلى عدم احتكار اللفظ على محمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، أو محمود لطفى عامر، وغيرهم من أصحاب المدارس "الوهابية" التى لا تعرف من سماحة الإسلام شيئاً، فالسلفية ليست تنظيماً أو جماعة، وإنما فكر يضم تحت لوائه ألوان طيف إسلامية نتفق مع بعضها ونختلف مع البعض الآخر، ومن السلفيين رجالاً بقيمة د.أسامة القوصى الذى قال فى أحد دروسه الدينية أنه أكثر ميلاً لرفض التعديلات، معتبراً نعم "ترقيعاً" و"لا" حلاً حذرياً، كما استنكر موقف حسان من المادة الثانية، وقال ما نصه: "مفيش فى السياسة حاجة اسمها (دونها الرقاب) ونحن لسنا فى حرب".

لست إقصائياً، ولن أدعو السلفيين للسفر إلى السعودية مثلماً دعوا قطاعاً عريضاً من المصريين مسلمين وأقباطا للسفر إلى كندا.. ولا أحلم بفجر يوم جديد لا أجد فيه للسلفيين وجوداً على أرض مصر، لكنى ككثيرين غيرى أتألم لمشاهد العنف والقتل، ويزعجنى ترويع الآمنين واستهداف دور العبادة لأى سبب صدقاً كان أم باطلا.. وفى البدء والمنتهى، فإن الخلاف ليس مع الفكر السلفى بقدر ما هو خلافاً مع المنتسبين له، وكلانا يجب أن يعترف أن قطاعاً ليس بالقليل من المنتمين للفكر السلفى فى حاجة للفرز.. وإن كان بينهم خطباء مفوهين، تشد إليهم الرحال، إلا انهم فى نهاية المطاف بشر الاختلاف معهم ليس خلافاً، والخلاف حول آرئهم ليس خروجاً عن الدين، ولا كفراً بتعاليم الإسلام.

أسمح لى بأن أخاطبك همساً بأن أشقاء فى العروبة، حاربوا هذه الثورة تارة بريالات النفط، وتارة بتهديد أمن العمالة المصرية المقيمة على أراضيهم.. وأسمح لى أن أصرخ جهراً وأذكرك بأن إسرائيل تعض علينا الأنامل من الغيظ منذ نجاح المصالحة الفلسطينة.. ودعنى أقص عليك رواية تاريخية من خارج القطر المصرى والعربى، ربما توجز لك كل ما سبق، هى عن "آية الله كاشانى" أحد أبرز رموز المؤسسة الدينية فى إيران مطالع خمسينات القرن الماضى، وكان أول من بادروا بدعم ثورة د.محمد مصدق على شاة إيران، وصاحب عبارة "كل من يعارض تأميم النفط الإيرانى عدو الله".. لكنه اعتبر بعد حين أن سياسات مصدق فى الإصلاح الزراعى "معادية للإسلام"! وكان أول المباركين لعودة الشاه رضا بهلوى مجدداً لاعتلاء عروش طهران.. هذه يا سيدى ما يسمونها "الثورة المضادة"، وهذا ما نشهده الآن، وعلى السلفيين أعلاماً وتابعين أن يحددوا موقفهم منها جيداً بغير لبس.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة