محاكمة الخصخصة ومسؤوليها

لم تكن النتائج التى توصلت إليها نيابة الأموال العامة فى ملف الخصخصة مفاجأة، فمنذ أن انطلقت هذه السياسة اللعينة فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، توالت التحذيرات من خطورتها الاجتماعية والسياسية، وكان الرد على ذلك يأتى بأن الرافضين لها هم ممن فاتهم الزمن، ومن أصحاب الشعارات القديمة التى عفا عليها الزمن، ووصلت البجاحة حد أن وزيرًا مثل الدكتور يوسف بطر غالى الذى حكمت عليه المحكمة بـ30 عامًا بالسجن، رد على رجل بقامة الراحل الدكتور عزيز صدقى أبو الصناعة المصرية، والرجل الذى نفذ خطة عبد الناصر فى التوسع الصناعى بقوله: «مين عزيز صدقى ده؟!»، وكان ذلك تعليقًا من غالى على تساؤل عزيز: «ليه بيبيعوا المصانع اللى إحنا بنناها»، وكان غالى يسير فى ذلك على درب رئيسه مبارك الذى كان مشروعه القومى البيع وليس البناء.

المستندات التى حققت فيها نيابة الأموال العامة حين يتم التأمل فيها سنعرف كم كانت مصر محكومة بنهج اللصوصية، ومن ضمن هذه المستندات تقرير اللجنة الوزارية برئاسة الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء الأسبق، الذى جاء فيه أنه تم خصخصة 202 شركة ومصنع منها 59 شركة خاسرة، و25 شركة حققت أرباحًا بلغت 78 مليون جنيه فى عام 2002، و66 شركة حققت أرباحًا بلغت مليارين و392 مليون جنيه عامى 2002 و2003، وشملت تحريات نيابة الأموال العامة أن المسؤولين عن بيع الشركات الرابحة رؤساء وزراء سابقون، ووزراء لقطاع الأعمال العام ورؤساء شركات قابضة، وأن هؤلاء أسهموا فى بيع الشركات بأقل من القيمة الحقيقية التى حددتها لجان التقييم فى ذلك الوقت، مما نتج عنه تربيح الغير دون وجه حق.

نحن بهذه الحقائق الموجعة أمام فساد كان منظما وممنهجا، ولا ينفع معه القول بأنه ناتج عن سوء تقدير، وإنما نية مبيتة مع سبق الإصرار، وفى عرف القانون الجنائى فإن الترصد لارتكاب الجريمة يستحق أقصى أنواع العقوبة، لكن المأساة الأكبر فى كل هذا أننا أمام صروح صناعية تم بيعها، وحتى نشيد مثلها نحتاج إلى سنوات طويلة، نستعيد فيها رائحة العامل الذى يعشق آلة مصنعه، لثقته بأنها من ممتلكاته التى تعود عليه بالنفع الذى يطعم منه أبناءه.