مسلمو ومسيحيو العامرية

فى خطوة عادلة ورائعة، عادت الأسر الخمس المسيحية المهجرة من قرية شربات بالعامرية التابعة لمحافظة الإسكندرية إلى منازلهم، وذلك بعد أسابيع مما جرى بحق هذه الأسر حيث قررت جلسة عرفية تهجيرهم، وبيع ممتلكاتهم.

القصة معروفة بما حملت من أقاويل حول علاقة فاسدة بين سيدة مسلمة ومسيحى قام بتصويرها على تليفونه وشغلت الرأى العام كثيرا، وأخذت تفسيرات متعددة، فالبعض اعتبرها تمييزا على أساس دينى، فى حين اعتبرها آخرون أنها حادث لا يرتقى إلى ذلك، وأن هناك مستفيدون أشعلوه واستخدموا بلطجية لتمرير أغراضهم الرخيصة بالرغبة فى شراء ممتلكات المسيحيين.

وبين التفسيرين احتل الحدث مساحة كبيرة من الاهتمام لأن طرفيه مسلمون ومسيحيون، وعبر عن أن المسافة بين الطرفين يمكن العبث فيها طالما تغيب الدولة العادلة، مما يعطى الفرصة فى حل أى نزاعات بينهما للمجالس العرفية التى تقفز أحيانا فوق صحيح القانون، بالإضافة إلى أن إخضاع هذه النزاعات للهوى الدينى يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية.

يستحق مجلس الشعب الإشادة فى تعامله مع هذا الحدث، وجهده فى علاج الآثار الكارثية له، فاللجنة التى شكلها المجلس من النواب، وذهبت إلى العامرية لمعاينة الموقف على الطبيعة، استمعت إلى كل الأطراف بحيادية وعزم مسبق لضرورة نزع فتيل الأزمة، ووضعت اللجنة توصياتها وأهمها عودة الأسر الخمس التى طالها التهجير بحكم الجلسة العرفية التى عقدت، قبل أن يسلط مجلس الشعب والإعلام الضوء عليها، وأعطى البرلمان بذلك رسالة طمأنة للمسيحيين والمسلمين معا بالتأكيد على أن كل المصريين سواء لهم الحقوق وعليهم الواجبات، وأنه لا مجال للحلول الأمنية لمثل هذه القضايا والتى كانت وسيلة النظام السابق، وأدت إلى احتقان دائم ومقصود، بتصور أن هذا الأسلوب يعطى مبررا أقوى لمزيد من القبضة الأمنية على كل المصريين.

حفاوة الترحيب الذى وجدته الأسر العائدة من جيرانهم المسلمين، وكذلك الدور الحيوى والهام الذى لعبه نائب البرلمان السلفى أحمد الشريف، والشيخ شريف الهوارى شيخ مشايخ السلفية، تقود إلى مسألة هامة وهى، أن العمق الاجتماعى فى العلاقة بين الطرفين قادر على أن يجعل كل مشكلة بينهما فى حيزها الطبيعى، ويكتمل بتواجد قوى لهيبة الدولة وعدالتها.