د. محمد على يوسف

ما بين الاستقرار والثأر

الثلاثاء، 22 مايو 2012 10:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد متابعة ودراسة طوال الأيام الماضية، التى تفرغت فيها تقريبًا للنقاش والحوار مع مؤيدى الفلول ومحاولة إقناع محبيهم ومؤيديهم خلصت إلى نتائج مهمة تتعلق بنوعية وطبيعة وأفكار أولئك المؤيدين.. والحقيقة أنهم ليسوا جميعًا كما يتصور البعض من البسطاء أو محدودى الثقافة والتعليم أو حتى من المنتفعين بعودة النظام السابق، وإن كانت تلك الطوائف تمثل نسبة كبيرة من مؤيدى الفلول إلا أن هناك نسبة لا بأس بها، ليست كذلك بل على العكس منهم شباب مثقف ورجال ونساء من أصحاب التعليم العالى ولا يعرف عنهم فساد أو انتفاع بالنظام السابق.

لكن لاحظت أنهم يجمعهم عامل مشترك رصدته باطراد من خلال المتابعة الدقيقة والمكثفة لاحظت أنهم يجمعهم عامل أستطيع أن أطلق عليه "العقلية الثأرية".

والعقلية الثأرية هى مصطلح يعبر عن بناء الأفكار والاختيارات على أساس من الكراهية الموروثة للرغبة فى الانتقام، الذى يرى صاحبه أن رموز النظام السابق قادرون على أداء ذاك الانتقام بجدارة ومحل ذلك الانتقام والثأر يتباين، كما قلت، من مؤيد إلى آخر لكنه يدور حول طائفتين رئيسيتين فى الغالب الأعم الثوار والإسلاميين وربما الاثنين معا لدى البعض ممن لا يفصلون كثيرا بين الطائفتين وهما بالفعل ينبغى ألا ينفصلا فما بين رغبة فى الانتقام من الثورة والثوار الذين نجحت الكثير من العوامل والآليات ووسائل الإعلام (التى لا أنكر أن بعضها إسلامية) نجحت فى تشويهها وتشويههم وإرساء عقيدة لدى الوعى الجمعى المصرى أو نسبة كبيرة منه أن كل المصائب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطائفية وربما البيئية إنما حلت بالأمة من تحت رأس تلك الثورة وبفعل أولئك الثوار الذين لابد أن نعترف أنهم وقعوا فى بعض الأخطاء التى ساعدت على ذلك بعد إبرازها إعلاميا بشكل مقصود وممنهج.

وما بين رغبة أخرى فى الانتقام من الإسلاميين الذين حظوا بالأغلبية البرلمانية والتى بفعل عوامل خارج البرلمان وداخله لم تكن على قدر آمال وتوقعات كثير من الناس وساعد على تلك الحالة من الإحباط التى شعر بها البعض إعلاء سقف تلك الآمال إبان حملات الدعاية التى صاحبت الانتخابات البرلمانية، وكذلك بعض الزلات والأخطاء التى ساعد الإعلام فى إبرازها وتضخيمها، والتى رغم أنها لا تقارن قطعًا بخطايا البرلمانات السابقة، لكن نعترف أنها أخطاء رغم كل شىء، إلا أنه وبرغم كل الأخطاء والزلات المتوقعة من بشر غير معصومين فقد كان لابد أن يبرز جانب التكبيل والتعويق الذى تقوم به السلطة لإحراج البرلمان، وهو ما لم يحدث بحال فكانت النتيجة تلك الرغبة الدفينة فى الانتقام من الأغلبية التى يمثلها الإسلاميون، وهو ما لن يقوم به طبعا أحد أفضل من الخصم التقليدى للإسلاميين، والذى طالما سامهم سوء العذاب لذلك كانت الرغبة فى إعادة بعثه لدى أولئك المؤيدين.

وهناك من يجتمع لديه الثأر أن بلا شك مع اختلاطهما برواسب أيديولوجية وشبهات فكرية زاد من تأجيجها بشكل فاضح الفكر الذى أسميه بلا تردد الفكر العكاشى، الذى طالما استخف به الكثيرون وحذرت منه مرارًا وبينت أنه لا يلقى اعتباطا كما يحلو للبعض، أن يوهموا أنفسهم، وإنما هو توجيه ممنهج يؤصل لدى المتلقى النظرة التى لم ينجح إعلام النظام السابق فى بثها أثناء الثورة وتلقاها الناس فى ذلك الوقت بالاستهجان والسخرية نظرة القلة المندسة، والمؤامرة الماسونية الإيرانية الكبرى والأجندة الحمساوية التحالفة مع حزب الله والمدعومة من كنتاكى شخصيا.

أيام الثورة، كنا نتضاحك بتلك المساخر التى لم تعد الآن مدعاة للسخرية، لدى قطاع من الشعب الذى شكل وعيه الإعلام العكاشى ومن كان على شاكلته، والحقيقة أنه رغم أن تلك العقلية الثأرية تعد فى نظرى ونظر الكثيرين عقلية مريضة تتأرجح بين السادية والماسوشية إلا أنها قابلة للتفاهم والتعديل فى رأيى فقط إذا ما تم الدخول إليها من من مداخل مناسبة.

التعامل مع العقلية الثأرية التى تريد الفلول للثأر لا يكون من خلال التصادم أو الترهيب من بطش النظام السابق الذى نتوقع أن يعود فى ظل أذنابه ورجاله لأن هذا هو ما يريده المنتقم بعينه وإنما يكون فى تقديرى من خلال مخاطبة المنطق بنوع من الهدوء ومعالجة الأسباب التى أدت لتلك الكراهية العميقة التى نتجت عنها تلك الرغبة الوحشية فى الانتقام.

أرى كذلك ألا يطرح على مثل ذلك المنتقم اقتراح بمرشح آخر لأن ذلك يسد منافذ المنطق لدى عقليته الكارهة حين يتصور رغبة المحاور فى استقطابه أو جذب تأييده لمرشح ثورى أو إسلامى أو إسلامى ثورى، وقد قدمت بأنه مصدود على الثلاثة وإنما يترك له جانب الاختيار ويبذل الجهد معه فى إصلاح النظرة الانتقامية من خلال العموميات، وليس التعيين والتخصيص كى لا ينفر ويصد.

لا مانع كذلك من مخاطبة الحس الدينى لدى صاحب تلك العقلية وبيان بشاعة ذلك الشعور الانتقامى، الذى يسيطر عليه وتوعيته بالأدلة الشرعية لمبدأ التسامح، ومبدأ أن السيئة لا تعم ولا تزر وازرة وزر أخرى مع الحرص ألا يكون ذلك، كما سبق وأشرت موجها لشخص بعينه، إنما هو كنصح عام لإنقاذه من مرارات الحقد وظلمات الرغبة فى الثأر.

كذلك لا مناص فى تقديرى عن بيان حيثيات التشويه، الذى وقع بالثورة والثوار وحقيقته وبيان طبيعة التكبيل الواقع بالبرلمان وكيف أنه أصلا ليس السلطة التنفيذية، التى يناط بها التغيير العاجل مع عدم الإنكار غير الموضوعى للأخطاء التى وقع فيها البرلمان والإسلاميون والثوار لأنها بالفعل وقع كثير منها والمصداقية أمر لا تنازل عنه من حيث المبدأ، لكن علينا دوما التركيز على قضية الفصل بين المناطات حتى لا تختلط الأمور.

أما بالنسبة للقطاع الآخر من مؤيدى الفلول من غير الانتقاميين والذين هم فى الغالب من البسطاء ومحدودى الثقافة والتعليم فهم فى المجمل يؤيدونهم من منطلق الرغبة فى الاستقرار، الذى يرتبط فى أذهانهم بالسعة والدعة وانفراج الأزمات المادية والأمنية الطاحنة، التى تعرضوا لها خلال خمسة عشر شهرًا بفعل فاعل لا لشىء إلا ليصل فاعلها معهم إلى تلك النتيجة، وذلك المؤدى وهؤلاء ينبغى أن توضح لهم الحقيقة، ويبين لهم من كان بيده زمام الأمور ومفاتيح كل تلك الأزمات المفتعلة، وكذلك علينا أن نذكرهم بجرائم وأزمات بل وكوارث النظام السابق، التى شهدها أولئك الفلول وأقروها بل وشاركوا فى صناعة بعضها والساكت عن الحق شيطان أخرس أو ضعيف أو على الأقل مقر موافق، والأهم من ذلك ما يردده البعض على سبيل الطرفة وهو فى رأيى ليس كذلك بل هو حقيقة متوقعة جدا ألا هو مسألة حدوث العكس عند وصول أحد الفلول للحكم (عكس الاستقرار أعنى) ينبغى أن يوضح ذلك بجلاء لأولئك الظانين أن الاستقرار لا سبيل الله إلا حكم الفلول وكيف أن ذلك وهم كبير.

فبعد أن ذاق الناس الحرية واستمتعوا بلذتها لا يتصور أبدا أن يقبلوا مرة أخرى بالهوان والقمع الذى يتوعد به بعض فلولنا الأشاوس، ومن ثم فستأتى الرياح بما لا تشتهى سفن المستقرين وسيستمر التصادم بين الثوار وبين من ثاروا عليهم منذ عام ونيف وجئتم لهم بهم مرة أخرى فكيف تتوقعون بعد ذلك استقرارا؟؟!

أما الصنف الأخير وهم الفاسدون والبلطجية وآكلى المال السياسى والرشاوى الانتخابية وبعض رجال الأعمال المنتمين للمنظومة الآسنة السابقة ورجالات الحزب المنحل فأرى ألا ينفق عليهم الوقت أو الجهد لأنهما أثمن من أن يضيعا على هؤلاء ليس يأسا من تغييرهم ونصحهم، ولكن لأنهم هدف أصعب لا نملك سعة من الوقت والجهد له فهؤلاء نبتت لحوم أكثرهم من سحت النظام البائد ومسألة رجوعه بالنسبة إليهم معركة مصير، لذا فلنرجئ الحوار معهم قليلا حتى يمنوا بهزيمة جديدة إن شاء الله عز وجل.

فى النهاية وبعد هذا التحليل المجمل لصنوف وأفكار مؤيدى الفلول وطريقة التعامل معها أقول إنه لم يعد وقت وأذكر أن الأيام القادمة أيام مصيرية، وإن كان الصمت الانتخابى قد بدأ فإن الصمت الفكرى والتوعوى ولو بمبادئ ومجملات لم يبدأ ولن يبدأ وعلى كل أصحاب الوعى والفكر أن يتولوا على الأقل أمر ذويهم وعوائلهم، وهذا فى تقديرى أهم من الدعاية لمرشحهم الشريف الذى بدأ صمته ولنعتبر ذلك جولة فاصلة جولات ثورتنا التى أصر أنها لم ولن تفشل أو تنتهى إلا إذا قصرنا فى تلك المرحلة الحاسمة.

* المتحدث باسم ائتلاف الدعوة الإسلامية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة