إبراهيم عبد المجيد

قواعد الفن «4-5»

الجمعة، 15 يونيو 2012 12:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفن التشكيلى من المنغصات الكبرى للتيارات الوهابية، فهم يعتبرون النحت حراما والرسم حراما، أما حرمة النحت فخوفا من عبادة الأصنام، وحرمة الرسم من تجسيد البشر، المسموح فقط هو المناظر الطبيعية والفن التجريدى والطبيعة الصامتة، لا أعرف المصدر الدينى لهذا التحريم لا فى القرآن ولا فى السنة المحمدية، وإن كنت أعرف المصدر التحريمى لعبادتها، فالأصنام التى تم هدمها بعد دخول مكة كانت أصنام الآلهة كما تصورها بدو الجزيرة العربية، أى كانت تتم عبادتها باعتبارها رموزا للآلهة، ووراء هذه الحكاية فى الدنيا كلها تصور إنسانى بسيط جدا يرتبط بالحالة الذهنية للإنسان البدائى، وأساسها فى الحقيقة ليس الكفر ولكن الإيمان فى أشكاله الأولى، فالإنسان البدائى لم ينحت التماثيل ليعبدها منذ البداية، لكنه تأمل الكون حوله وطبعا لم يكن كما هو اليوم، كان الإنسان فى مواجهة الطبيعة القاسية بما فيها من تقلبات مناخية وكوارث طبيعية وحيوانات لا قبل له بمقاومتها وحيوانات، أحبها لأنها كانت مصدر الخير له، وهنا فكر وهو فى حالته البدائية البريئة أنه لابد أن يكون خلف هذا الكون إله ما فى مكان ما يضمن له الخير والحق، ولأن تفكيره البدائى تشخيصى وليس تجريديا رأى فيما حوله من ظواهر ومخلوقات ما يمكن أن يجعله إلها له يحميه إذا كان يحبه أو يتقى شره إذا كان يخشاه، وهنا عبد الناس فى مناطقهم المتفرقة آلهة مما حولهم لأنها الأقوى أو الأحب إليهم، ومن هنا راح يجسدها فى رسوم على جدران الكهوف أو تماثيل، فى اللحظة التى ترقى فيها الفكر الإنسانى من التشخيص إلى التجريد، واختزل الآلهة جميعا فى إله واحد كما حدث فى مصر على يد إخناتون انتقل الفكر الإنسانى من التشخيص إلى التجريد، صحيح حدث انقلاب بعد أن مات إخناتون لكن ظلت فكرة الإله الواحد فى النفوس كامنة تنتظر من يوقظها من جديد، وكانت الرسالات السماوية بعد ذلك، سطعت الشمس كإله وحيد فى رسوم الفراعنة بعد آمون ورع وأوزوريس وغيرهم من الآلهة، ودخلت اليهودية مصر ثم المسيحية ولم يعد المصريون إلى تعدد الآلهة مرة أخرى، لكن الأمر كان مختلفا فى الجزيرة العربية، ظل تعدد الآلهة وظلت عبادتها حتى جاء الإسلام، وكما حدث فى مصر حين استقرت المسيحية وتم الاعتراف بها قام البابا كيرلس الأول بتحطيم تماثيل الآلهة كما فعل المسلمون بعد فتح مكة، فى مصر لم يستطع أحد القضاء على كل التماثيل، فى الجزيرة العربية كان الأمر سهلا، وفى مصر واليونان وروما والعراق كانت التماثيل تتميز بالجمال الفنى على عكس تماثيل الجزيرة العربية التى كانت مجرد رموز عشوائية، الذى يصنع الإله يعطيه أكبر إمكانية للجمال، تلاحظ ذلك فى التماثيل اليونانية أكثر من غيرها، والسبب أن الآلهة عند اليونان اختلطت بالبشر، بينما هى فى مصر تظهر الكتلة وجودا أكثر من الجمال لأنها آلهة خالدة تعبر الزمن، وفى كل التماثيل كانت المرأة إلهة أو ملكة تفوز بالجمال أكثر من أى تمثال آخر، هكذا رأى أو أحب الناس المرأة، حتى المرأة الشريرة كان يتم رسمها أو نحتها فى مشهد آخاذ، الجمال كان وراء النحات أو الرسام فى اليونان ومصر والعراق وسائر بلاد الحضارات المستقرة، بينما هو فى الجزيرة العربية لا يتوفر لسبب فى طبيعة الحياة القائمة على التنقل والارتحال، التماثيل هنا رموز يمكن تغييرها فى أى وقت، وليس ضروريا بقاؤها صامدة للزمن كما هو فى غيرها، مرت أزمنة طويلة الآن وانتهت من الفكر البشرى فكرة تشخيص الآلهة وتعلق الناس بإله واحد مجرد، على الأقل فى الشرق الأوسط وأوروبا، وصار من الصعب بل المستحيل روحيا على شخص ما أن يصنع تمثالا لإله استقر فى وعيه وروحه أنه يملأ الكون كله، ولا سبيل إليه غير القلب والروح، على الأقل فى منطقتنا كما قلت، لكن الذى نحت أو رسم الآلهة القديمة لم يتوقف عن الرسم والنحت للبشر، وهنا بقى له من النحت والرسم فكرة الجمال.

الفنان يرسم وينحت التماثيل لا ليعبدها الناس لكن ليروها جميلة، لم تعد هناك آلهة يرسمها أو يجسدها، لكن حوله البشر والطبيعة، وفيها كلها يبحث الفنان عن الجمال، فالذى يرسم المرأة العارية لا يجسد العرى، لكن الجمال فى الجسد والروح معا، أنت أمام لوحة لامرأة عارية لا تثار جنسيا، لكن روحيا تتعلق بالجمال، وكذلك أمام التمثال، واللوحة أو التمثال الذى يثير غرائزك هى اللوحة الفاشلة فنيا، وهو التمثال السيئ فنيا، بل راح الفنانون يقفزون إلى ما هو أعلى وأبعد، ومن منطقة الروح جاءت الحركات الفنية، فهناك السيريالية التى تتحرك فيها اللوحات إلى عالم معقد من الأحلام والكوابيس، لكنك لا تنفر منها إلا إذا كانت لوحة ضعيفة تثير فيك الإحساس بالجمال، وتحاول أن تفك شفراتها إلى معانى كبيرة، الأمر نفسه فى المدرسة التكعيبية التى لا ترى فيها ملامح واقعية، وكذلك فى المدرسة التأثيرية التى ترى فيها المخلوقات ابنة للنور والضوء وهكذا، ذلك أن الفنان الذى يرسم أو ينحت وجد أن لخاماته إمكانات تختلف أيضا، فالنحت من الحجر غيره من الجرانيت، طواعية كل منهما تختلف بين يدى الفنان، ومن ثم يجد فى الوصول إلى الجمال جهدا يختلف، كذلك الألوان المائية غير الزيتية، وهكذا مما يعرفه الفنانون أهل الحرفة، لكل مادة إمكانية تختلف فى إبراز الجمال، ومادام الجمال هدف اللوحة أو التمثال فما دخل الحرام والحلال هنا، التماثيل واللوحات الآن تمثل السلم والحرب والحب والهجر والحزن والفرح، بل إن الأشياء فى يد الفنان تأخذ أبعادا روحية وتنطق بالحياة ومن هنا سر جمالها، ما معنى أن يرسم لك طبيعة صامتة كما تراها أو بروتريه كما تعرفه، المشاعر التى يضيفها إليها الفنان سر الجمال، وبقدر توفيقه فى استخدام مواده والسيطرة على أبعاد الوحة أو التمثال يكون الجمال، خذ مثلا تمثال طه حسين الموجود عند فندق الشيراتون، وانظر إليه لا ترى رأسه لأن الفنان لم يراع المسافة بين الرأس والأرض، صنع الرأس طبيعية فلما ارتفع التمثال لا يراها بسهولة أحد، بينما انظر إلى تماثيل الفنان الكبير محمود مختار التى ترتفع فى الميادين فترى كل ملامحها رغم ارتفاعها، فلا ينجرح جمالها، ثم يأتى اختيار الأماكن وحركة اليد لتعرف المعنى العظيم الذى يشير إليه للتمثال، معنى النهضة، كذلك انظر إلى تمثال نهضة مصر كيف تزاوجت فيه الفلاحة العصرية مع أبى الهول الفرعونى تعبيرا عن الاستمرار فى الحضارة، هكذا راحت التماثيل واللوحات تعبر عن أحلام ورؤى إنسانية، ولم يعد لفكرة تجسيد الآلهة محلا من الإعراب، لكن للأسف يتعامل معنا الوهابيون القادمون من الجزيرة العربية باعتبارنا شعوبا جاهلية لمجرد أن شخصا هناك عبد شجرة فى القرن التاسع عشر، ما علاقتنا بما هو هناك؟!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

اندرو

بدون فن يضطر الانسان ان يهتم فقط بما هو تحت السّرة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة