إبراهيم عبد المجيد

العلم والدين

الجمعة، 03 أغسطس 2012 01:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحاول كثير من الفقهاء والدعاة إثبات أن العلم لا يتعارض مع الدين، والحقيقة غير ذلك، العلم يتعارض مع الدين، بل إن الاعتماد على العلم فى تثبيت الدين يضر الدين، هؤلاء الفقهاء والدعاة يتصورون أنهم بذلك يخدمون الدين وينسون شيئا أساسيا أن الدين سابق على العلم، فالدين لم يبدأ بالأديان السماوية، قبلها عرف الناس الآلهة وقبلها فى مصر مثلا عرف الناس الإله الواحد، الأصل فى الدين هو التأمل الإنسانى البكر فى الكون والطبيعة من حول الإنسان، الإنسان الذى كان بلا حول ولا قوة أمام الطبيعة المتقلبة المليئة بالوحوش والحيوانات وجد نفسه ضعيفا بينها فأخذه التأمل إلى إله يضمن له السلامة. ليس من المعقول أن يمضى هذا الكون على هذا النحو من القسوة، لابد أن هناك قوة عظمى تعطى الإنسان الطمأنينة والقدرة على الاحتمال، لم يكن التفكير البشرى البدائى قادرا على التجريد، لذلك اختار كل إنسان أو جماعة إلها مما حوله. يحبه أو يخشاه، ومن هنا جاء تعدد الآلهة الذى لم يكن كفرا، لأن فكرة الإله الواحد لم تأت وتستقر بعد، أراد هذا الإنسان البدائى أن يكون الإله معه فى كل وقت فرسمه على جدران الكهوف التى يعيش فيها أو البيوت، وصنع له التماثيل التى رآها مناسبة له، حتى ذلك الوقت لم تكن العلوم معروفة، كانت قدرة الإنسان على اختراع ما يعينه على الحياة من أدوات للزراعة أو للحياة عموما، وهكذا مضى الإنسان وقد وجد له إلها يضمن له العدل والاطمئنان فى حياته، وراح يخترع لنفسه ما يعينه على الحياة، مع الوقت تطورت المعارف العلمية إلى نظريات، ولأن العقل هو القوة الجبارة فى الإنسان، فقد راح يبذل الجهد للسيطرة على العالم من حوله، اكتشف أن للكون قوانين يمكن أن تساعده على التقدم فى الاختراع، لكنه اكتشف أيضا أن كل اختراع قابل للتغيير والتقدم، وكل نظرية قابلة لنظرية أخرى أدق وأوسع، وهكذا أدرك أن العلم يتغير، لكن ظل الإيمان كما هو فى القلب، العلم نشاط نسبى والدين إحساس مطلق، لذلك صار العلم لغة العقل والدين مستقره القلب، وكل الأديان السماوية أقرت أن الإيمان هو ما وقر فى القلب، الإيمان لا يتغير لكنه يمشى مع روح الإنسان منذ وجد على الأرض، علماء الطبيعة قدموا لنا عشرات النظريات عن بداية الكون وكلها نظريات غير نهائية وكلها نظريات تقوم على الظن، فلماذا نريد أن نجعلها لا تتعارض مع الدين، هى لا تتعارض مع الدين بمعنى واحد فقط هو أن كل ما يحدث فى الدنيا مقدر من قبل من الله سبحانه وتعالى، لكن أن نبحث عن إحدى النظريات ونعقد المقارنة بينها وبين نص دينى فى القرآن لكريم أو غيره خطأ، لأنها نظريات كلها قابلة للتغير، الأمر نفسه فى تطور الإنسان، كانت نظرية النشوء والارتقاء لداروين مشكلة مع الكنيسة الأوروبية، لكنها انتهت إلى مكانها فى البحث العلمى، وظل الناس فى كل مكان يؤمنون أن الله هو خالق البشر، لا يحتاج الأمر أن نتعب أنفسنا فى دحض النظرية، وخاصة أن الفقهاء والدعاة ليس لديهم القدرة العلمية لذلك، والذين يؤمنون بالتطور الطبيعى لوجود الإنسان لا يتوقفون عن الذهاب إلى الكنائس والمعابد والمساجد يشكرون الله على نعمة التفكير، ثم إن هذه النظرية أيضا لم تكتمل ولم تستقر، وكانت عليها ملاحظات كثيرة من علماء التطور وحتى الآن لا يقين، اليقين الذى استقر فى القلب على مر العصور هو أن الله خالق الكل ولم يوقف هذا اليقين محاولة البحث والمعرفة، سأحكى هنا حكاية طريفة، قرأت كثيرا فى العلوم والأبحاث ما يعارض قصة سيدنا يونس عليه السلام التى جاءت فى التوراة والقرآن، ففى الاثنين أنه عاش فى نينوى، الموصل، بالعراق، والذى يذهب هناك يجد مئات الأشخاص يحملون اسم ذو النون. وهو الاسم الموجود فى القرآن والتوراة أيضا، نينوى أو الموصل لا تقع على بحر ولكن على نهر دجلة وفى الأنهار لا تعيش الحيتان، ونحن نعرف أنه فى القرآن الكريم وفى التوراة اختص الله يونس بتجربة أن ابتلعه الحوت، كثير من الأبحاث يقول إن مكان يونس، عليه السلام، أقرب إلى أن يكون فى عمان، حيث تقع على المحيط الهندى، حيث توجد الحيتان فى المحيطات، هذا كلام أقرب إلى التصديق طبعا، لكنى زرت نينوى عام 1988 وفى أحد الشوارع وجدت مسجدا صغيرا سألت من معى فقال إنه مسجد سيدنا يونس وبه مقبرته. وجدت نفسى أنا الذى قرأت ما قالته الأبحاث عن سيدنا يونس أدخل المسجد وأصلى ركعتين لله وأطلب منه الرحمة والمغفرة والتوفيق ببركة سيدنا يونس، وجدت نفسى أفعل ذلك دون تفكير فى كل ما قرأت من أبحاث، الذى جعلنى أفعل ذلك هو يقينى الذى وقر فى قلبى وليس فى عقلى بقصة سيدنا يونس، وهكذا الإيمان لا يجب أبدا أن نخضعه إلى العلم الذى يتغير من وقت إلى آخر.

حكاية أخرى جرت منذ سنوات، كنت فى مؤتمر علمى بمكتبة الإسكندرية يحضره مستشرقون أوروبيون وكان الدكتور زغلول النجار ينشر مقالاته الغريبة التى تحيل كل العلوم إلى القرآن الكريم، كان فى هذا اليوم مقاله عن تحريم أكل الخنزير الذى هو يتماشى تماما مع العلم فى رأيه، وساق فى مقاله أكثر من مائة مرض يسببها لحم الخنزير لذلك حكمة تحريمه، ووضع أسماء الأمراض باللغة الإنجليزية واللاتينية زيادة فى الإقناع، وفوجئت بأحد المستشرقين يسألنى: كل هذه الأمراض ونحن فى أوروبا نأكل الخنزير ولم يصب أى منا بمرض واحد منها، يسألنى رأيى فى هذا الكلام الذى لو صح كان الأوربيون قد انتهوا من الحياة. لم أجد تعليقا، وكلنا نعرف أن الأصل فى التحريم ليس الأمراض فيما تم تحريمه. لكن اختبار قدرة الإنسان على حرمان نفسه من بعض ما يحب وقدرته على الزهد، وتحريم الخنزير بالمناسبة حدث من قبل الإسلام فى اليهودية، لو قال العالم إن التحريم اختبار لقدرة الإنسان لكان أكثر توفيقًا من كل هذا التعب، خاصة أن فى بعض المحرمات كثيرا من الفوائد مثل غيرها، هنا إدخال العلم فى الدين خطأ كبير، أيها السادة الدعاة لا تتعبوا أنفسكم، الدين فى قلوب البشر، والعلم لن يتوقف عن التقدم، ولقد مرت البشرية بآلاف السنين ولم يهزم العلم الدين، لأن كلا منهما فى طريق.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

ملحد و افتخر

????

عدد الردود 0

بواسطة:

احى شجاعتك

ما احوجنا الان لكلام ابو بكر الرازى

عدد الردود 0

بواسطة:

علمانى

نظرية التطور حقيقية علمية

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد

مسكين هذا الرجل ومن يصدقه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة