براء الخطيب

الدولة العميقة والكائنات الفضائية وأكل العيش بالقشطة

الأربعاء، 08 أغسطس 2012 04:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصبح مصطلح «الدولة العميقة» مصطلحًا فلكلوريا من كثرة ترديده ليل نهار فيما أخذ يلوكه بعض محللى الفضائيات الذين يتقافزون فى رشاقة البراغيث بين الفضائيات بفضل بعض معدى البرامج الذين أطلق عليهم «أحمد المسلمانى» لقب «مافيا معدى البرامج»، و«الدولة العميقة» كمصطلح تم تداوله، فى الغالب الأعم، فى مصر عبر صحيفة «نيوزويك» بداية من التقرير الصحفى الذى نشرته إبان الحملة الانتخابية فى انتخابات الرئاسة بين الإخوانى «محمد مرسى» والهارب من الملاحقة الجنائية «أحمد شفيق» حيث التقطت الكائنات الفضائية المصرية المدربة المصطلح المضلل، وراحوا يلوكونه، لزوم أكل العيش، وإن كان أكل العيش ليس مثل الذى يأكله خلق الله، بل أكل العيش بالقشطة، واللهم لا حسد، لكنهم غير مدركين أن الإعلام الغربى أخذ يروّج للمصطلح لتوجيه أنظار المعنيين بالحكم فى مصر إلى النمط التركى فى حكم المؤسسة العسكرية للوطن، والنيوزويك - والصحافة الغربية - تعلم جيدا أن مصطلح «الدولة العميقة» هو مصطلح تركى نحته الواقع التركى ولا يصح تطبيقه على الواقع المصرى للاختلافات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، بل التوجهات الدينية بين المجتمع التركى والمجتمع المصرى، وسوف ننقل هنا جوهر ما قيل عن «الدولة العميقة» أو «ديرين ديفيليت» باللغة التركية فقد قال الأتراك عنها إنها «مجموعة من التحالفات» ذات النفوذ المعادية للديمقراطية داخل النظام السياسى التركى وهى تتكون من المستويات الرفيعة داخل أجهزة المخابرات والقوات المسلحة التركية والأمن والقضاء والمافيا.
وفكرة الدولة العميقة مشابهة لفكرة «دولة داخل الدولة» ولهؤلاء الأتراك المعتقدين بوجودها، فالأجندة السياسية للدولة العميقة تتضمن الولاء للقومية التركية، وقد تم توظيفهم تاريخيا بطريقة خفية فى الأغلب للتأثير على النخب السياسية والاقتصادية لضمان تحقق مصالح معينة ضمن الإطار الديمقراطى ظاهريا لخريطة القوى السياسية، الرئيس السابق سليمان ديميرل قال «إن منظر وسلوك النخب التى يسيطر عليها العسكر التى تكون الدولة العميقة، وتعمل على الحفاظ على المصالح الوطنية التركية.
و«الدولة العميقة» ليست تحالفا، بل إنها مجموع عدة مجموعات تعمل ضد بعضها البعض خلف الكواليس، كل منها يسعى لتنفيذ الأجندة الخاصة بها وشائعات الدولة العميقة تروج فى تركيا منذ فترة حكم أجاويد كرئيس وزراء فى السبعينيات، والعديد من الأتراك، بما فيهم سياسيون منتخبون، كانوا يعنون بأن «الدولة العميقة» موجودة فى الواقع التركى بقوة وأنها اختراع تركى محض، فإذا كانت «الدولة العميقة» كانت هى التى تحكم تركيا فى السبعينيات من القرن الماضى فإن هذا المصطلح لا ينطبق على الواقع المصرى فإذا كان من يحكم مصر الآن شرعيا - طبقا للإعلان الدستورى والمكمل» هم الإخوان المسلمون والمجلس العسكرى، لكن من يتحكم فعليا فى الواقع المصرى هو «البيروقراطية» أو «الجهاز البيروقراطى» وسوف ننقل هنا جوهر ما قيل عن «البيروقراطية» بأن هذا المصطلح يعنى أنه مفهوم يستخدم فى علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة فى المجتمعات المنظمة، وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية «وهى طريقة مصرية تماما» وكذلك العلاقات الشخصية.
وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يومياً هى الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس، يعود أصل كلمة «البيروقراطية» إلى «بيرو» أى مكتب، المستخدمة فى بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل، وكلمة «البيروقراطية» وهى مشتقة من الأصل الإغريقى «كراتس» ومعناها «السلطة» والكلمة فى مجموعها تعنى «سلطة المكتب» والبعض يرى أنها داء يجب محاربته والتخلص منه، ويراها البعض على أنها ضرورة لا يمكن أن تقوم للإدارة قائمة بدونها، ويرى آخرون أن المشكلة ليست فى «البيروقراطية» بل فيمن يقوم بتطبيقها فـ«البيروقراطية» ليست فاسدة بل إن «الجهاز الإدارى» هو الفاسد، ويرى الكثيرون أن البيروقراطية ملازمة للتعقيدات الإدارية وكثرة الأوراق وطوابير المراجعين، إلا أنها سلاح ذو حدين فهى تنظيم نموذجى من المفروض أن يؤدى إلى إتمام العمل على أفضل وجه،البيروقراطية ليست مرضاً من أمراض الإدارة إلا إذا فسد «الإداريون» وأساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهى لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية فى عملية صنع القرار، أما التصورات السلبية التى تحيط بمفهوم البيروقراطية فهى فى حقيقة الأمر تتعلق بالبيروقراطيين أنفسهم وقد وصل الجهاز البيروقراطى المتحكم تماما فى كل الواقع المصرى إلى درجة قصوى من الفساد حيث تفشت السرقة والاختلاسات وسوء استغلال النفوذ والطغيان بل والتحكم الإدارى فى كل أصحاب رؤوس الأموال، ويصبحون جزءا من النظام ويصبح النظام جزءا منهم، ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف فى الغالب بالتقيد الحرفى بالقانون والتمسك الشكلى بظواهر التشريعات جاعلة البيروقراطية صلب النظام الاقتصادى والسياسى لعقلانية المجتمع، فينتج عن ذلك «الروتين»، وبهذا فهى تعتبر نقيضاً للثورية، حيث تنتهى معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شىء فى عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية. والعدو الخطير للثورات عبر التاريخ هى «البيروقراطية» التى قد تكون نهاية معظم الثورات، الجهاز الإدارى البيروقراطى المصرى هو المتحكم الفعلى فى الوطن ويستشرس فى الدفاع عن مصالحه الشخصية ويجب أن تكف الكائنات الفضائية الرشيقة عن ترديد مصطلح «الدولة العميقة» لأنهم يزيفون الحقيقة للمواطن المصرى الذى يجب أن يعرف أن من يتحكم فيه وفى كل مقدراته هو «الجهاز الإدارى البيروقراطى» الفاسد فى السلطات الثلاث «التنفيذية - التشريعية - القضائية» الذى يجب تطهيره بسرعة على الأقل من قياداته، فعبر خمسين سنة منهم ثلاثون سنة من حكم المخلوع الفاسد حيث وصل الفساد إلى ذروته فلم يعين موظف واحد منهم إلا بـ«الواسطة» أو بـ«المحسوبية» أو بـ«الرشوة»، فساد الجهاز البيروقراطى هو المتحكم بالرغم مما يروج له كل الكائنات الفضائية المدربة الذين يبحثون فى الفضائيات عن أكل العيش بالقشطة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة