محمود صلاح

الكوز.. الذى لا يعترف به الإخوان!

الجمعة، 14 يونيو 2013 10:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أيام شبابى كنت أقول عن نفسى إننى قاهرى سكندرى الهوى، ولدت على ضفاف النيل فى حى مصر القديمة، لكنى عشقت الإسكندرية وبحرها، رغم أنى لم أكن أعرف العوم ولم أزل، وقعت فى غرام ماريا وترابها الزعفران، منذ صباى ولم أزل!

فى تلك الأيام ما إن كان يتجمع معى بعض الجنيهات، حتى أسرع بالسفر وحيدا إلى الإسكندرية، كان أهلى متوسطى الحال، لا يعرفون المصيف، وليست عندهم شقة فى الإسكندرية، فلم يكن لى عند حبيبتى سوى فنادق الدرجة الثالثة أو الثانية حسب مقدرتى المالية، ولا بأس من بنسيون متواضع مادام يطل على بحر إسكندرية.

ذات رحلة، هبطت من القطار فى محطة سيدى جابر، واصطادنى سمسار شاطر، قادنى إلى بنسيون قديم يجاور فندق سيسل العريق ويطل على البحر الجميل، صاحبته يونانية عجوز ذات وجه جميل.

سألتنى: طلباتك.. يا مسيو؟

قلت لها: لا طلبات.. أى حجرة شرط أن تطل نافذتها أو شرفتها على البحر!
أعطتنى اليونانية العجوز حجرة واسعة، ذات شرفة صغيرة على البحر، أثاث الحجرة قديم، وفيها حوض لأغسل وجهى، لأن الحمام فى الردهة ومشترك، لكنى تعذبت ولم أستطع النوم طوال الليل، لأن كوع الحوض قديم ومثقوب، والماء يتسرب منه، وقد وضعت صاحبة البنسيون تحت الحوض كوز تتساقط فيه طوال الليل، قطرات الماء.. قطرة.. قطرة! لكن فى الليلة الثانية حدثت المعجزة، إذ تحول بقدرة قادر الصوت المزعج لقطرات الماء المتساقطة إلى الكوز إلى ما يشبه معزوفة موسيقية رقيقة على بيانو، على وقعها نمت نوما هانئا وحلمت وأكلت رز بلبن مع الملائكة! ومن يومها، ظللت أحرص كلما سافرت إلى الإسكندرية على الإقامة فى نفس البنسيون ونفس الحجرة من أجل نفس الكوز الذى لم يتغير مكانه، نشأت بينى وبين الكوز علاقة وجدانية، صداقة أو ما شابه، حب غامض لا أعرف، مثل إحساسى بكل الأماكن والناس فى مصر، أصبح الكوز كوزى وسرى الذى أفكر فيه كلما استبد بى الشوق والحنين إلى عروس البحر!

وذهبت سنوات وجاءت سنوات وعملت فى الصحافة ووقع حادث سرقة فى الفندق الشهير بالإسكندرية، وبعد أن انتهيت من عملى وخرجت مغادرا الفندق، غلبنى الحنين إلى بنسيون اليونانية وإلى حجرتى القديمة، وكوز ذكرياتى، صعدت إلى البنسيون ووجدت العجوز كما هى، إلا من بعض تجاعيد الزمن، سلمت عليها بحرارة، لكنها لم تتعرف على.

- أنا زبونك القديم.. صاحب الحجرة التى كنت تضعين فيها دائما الكوز!

أعطتنى العجوز اليونانية ابتسامة غريبة وقالت بصوت هامس يشبه الاعتراف والاعتذار: بس أنا كنت يا خبيبى، أضع كوزا فى كل حجرات البنسيون لأن كل الأحواض كانت مش مظبوط!

فكرت فى الحكاية، وعرفت أن أغلب المصريين عندهم نفس الكوز، كل مصرى فى أعماق خياله صورة غامضة لا تموت عن مصر التى فى خياله، مصر المولد والعيشة والذكريات الحلوة والمرة، مصر الحضن، مصر الأمل!

لكن أيامنا هذه أثبتت أن هناك قلة من المصريين ليس لديهم هذا الكوز، فلا ذكريات ولا أشجان ولا مصر ولا يحزنون، هؤلاء الإخوان لا يعترفون بهذا الحب الفطرى، وليست لديهم أحاسيس أو مشاعر جميلة تجاه مصر، فلا كوز ولا وطن!

هؤلاء الإخوان لا يؤمنون بفكرة الوطن ولا يعتقدون فى شىء اسمه مصر، الهوية الوحيدة عندهم هى الجماعة، مخططات الجماعة، من أجل إمارة إسلامية عالمية، لكنه عشم إبليس فى الجنة!

مصر عند الإخوان.. هى كما قال مرشدهم السابق «طظ فى مصر»
طظ فيك.. وفيمن معك!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة