إبراهيم عبد المجيد

العيد

الجمعة، 10 أكتوبر 2014 07:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أغادر البيت فى هذا العيد الكبير إلا للمقهى مرتين، جلست أراجع بعضًا مما أكتبه، وأتابع القنوات الفضائية المصرية والعربية، وأتابع الإنترنت وأقرأ.. فى المرة الثانية وجدته على المقهى، وصحفه القديمة كالعادة على مقعد جواره، قلت فى نفسى لم يعد أحدنا بقادر على زيارة الآخر فى بيته، لابد من أكثر من مواصلة، صافحته وابتسمت قائلاً:
- طبعا خرجت تمشى تهضم اللحمة.
ضحك وقال:
- انتهى زمن اللحم.. أنا باندغ السمك بالعافية.
- هل تأكل السمك فى العيد الكبير.
- لا طبعًا.. لكنى لا آكل اللحم.. آكل «لحمة راس» ممكن، فشة ممكن، طحال كلاوى وكبد، بس قليل علشان الكوليسترول.
- لم نختلف.. دعنا إذن من الأكل، الحمد لله أن العيد مر دون قنابل هنا أو هناك ومظاهرات قليلة لا تذكر.
- إذن أنت لم تسمع عن القنبلة التى انفجرت فى وكيل النيابة.
- أبدًا.. كيف؟
- كان يحقق فى قضية مع بعض المتهمين، وهناك حرز للقضية به أدلة اتهام بينها قنبلة لم تنفجر، انفجرت فيه هو.
- غريبة.. المفروض أن رجال الداخلية يقومون بفحص كل شىء قبل أن يكون حرزًا.
- هذا ما حصل.
سكت قليلًا وقال فى حيرة:
- هل أصيب وكيل النيابة إصابة كبيرة؟
- الحمد لله إصابته خفيفة، وسمعت أن النيابة حولت ضابطين فى الداخلية إلى التحقيق بتهمة الإهمال الجسيم.
- أكيد طبعًا، المهم إن الإصابة خفيفة.. الواحد مش ناقص أخبار عن الموت، بس برضه إهمال مش حلو، هما مستعجلين ليه كده؟
- ده يخلى الواحد يشك فى حاجات كتير.
نظرت إليه وقلت لنفسى سيدخل بنا إلى منطقة التوتر، فسألته ضاحكًا:
- لكن أنت ماحجتش السنة دى ليه.. مش كان نفسك تحج؟
- كل سنة نفسى أحج لحد ما كبرت وبقيت مش قادر.. أخاف أموت هناك.
- ياعم ده فيه ناس بتتمنى تموت هناك.
- أكيد، أنا عارف.. عارف واحد كل سنة يحج ويدعى على سور الكعبة ربنا ياخد أجله هناك ومابيحلصش.
وانطلق يضحك ثم قال:
- آخر مرة كانت السنة اللى فاتت، لاقيته زعلان جدًا، قال نفسى أموت فى أرض النبى واندفن هناك لكن ربنا مش رايد.
- وقلت له إيه؟
- بصراحة كنت حاقول له انتحر وانت هناك بس لاقيتها مش حتضحك.
ضحكت أنا وضحك معى ثم قال:
- إنت عارف أنا ما أحبش أشغل حد، هنا أو هناك.
سكت قليلًا.. كدت أضحك من جديد لكننى قلت:
- كنت اعمل زى محلب رئيس الوزراء، ومحمد إبراهيم وزير الداخلية.. اقضى المناسك الأساسية، ووكّل حد بدالك للباقى.
نظر إلىّ فى دهشة شديدة وقال:
- يعنى إيه، أول مرة أسمع حاجة زى دى، هما راحوا يحجوا.
- ورجعوا صباح السبت أول يوم العيد قبل رمى الجمرات.
ظل ينظر إلىّ مندهشًا ومبتسمًا ثم قال:
- وده ينفع؟
- بصراحة أنا ما اعرفش لكن الشيوخ كلهم قالوا إنه ينفع يوكلوا حد بدالهم إذا كان العذر قوى.
- وإذا كان ضعيف؟
- يبقى لازم دم.
- يعنى إيه دم.. أكتر من اللى احنا فيه.. إنت اتجننت.
- دم يعنى دبيحة.. كفارة، يعنى بسيطة.
- سهلة، الشيوخ برضه بتلاقى حل.
ضحكت وقلت:
- بس أنا سمعت شيخ فى قناة الجزيرة قال نفس الكلام.. يعنى المسألة مافيهاش محاباة لحد.. الشيوخ صح.
- خلاص.. حج مبرور وذنب مغفور.
انطلقت أضحك ثم قلت:
- لكن الشيخ أحمد كريمة، وده أستاذ عظيم فى الأزهر، قال الحج باطل لأنهم ماعملوش طواف الإفاضة.
- الراجل ده كويس أوى، وكتير من أفكاره عن السلفية والوهابية والإخوان بتعجبنى.
- آه بس اتحول للتحقيق فى الأزهر.
- معقول؟
- مش بالضبط، رئيس الوزراء قدم فيه شكوى، والشكوى اتحولت للبحث والتحقيق.
- حتنتهى على مافيش، حيطلع اللى وصل للشيخ كريمة معلومات ناقصة علشان كده كان رأيه وتنتهى القصة.. بس حاجة غريبة برضه، ليه رئيس الوزراء ووزير الداخلية راحوا مادام ماعندهمش وقت، أهم شغلوا الناس فى موضوع لا على البال ولا النية، وعلى رأى صلاح منصور هى حبكت، كان ممكن السنة الجاية، أو يتأخروا يوم مش مشكلة، ومايحصلش الهرى اللى بتقول عليه.
ثم نظر لى فى غيظ وقال:
- بأقول لك إيه، أخبارك النهاردة مش حلوة، إحنا فى عيد، عندك حاجة حلوة قولها، الحاجات الوحشة مش حتخلص.
ابتسمت مكتشفًا بحق أنه من الأفضل الحديث عن شىء جميل فقلت:
- كل سنة وانت طيب.. الذكرى الواحد والأربعين لحرب أكتوبر.
- كده حلو.. كان نفسى أكون معاهم ع الجبهة.. إنت اتجندت؟
- طبعًا، واتحاصرت مع الجيش الثالث، بس مايئسناش أبدًا.
وشردت بعيدًا عنه وأحسست بالدمع يكاد يفر من عينى فتماسكت، قال:
- طبعًا ليك حق تتأثر.. أكيد افتكرت زملاءك.
- للأسف ما فاضلش منهم حد، اللى كانوا قريبين منى يعنى، كان فيهم شاعر جميل أوى، كان معاه كتب، آه والله، قعدنا نقرا فيها، حفظناها.
- هو كمان مات؟
- للأسف.. قال لى كلام مش ناسيه أبدا، وكان نفسى مايحصلش.
- يعنى إيه؟
- قال لى المفاوضات مهما تطول لابد من رفع الحصار، العالم مش حيوافق على استمرار الحرب خلاص، بس الخوف من اللى بعد كده، يفوز بتمن النصر المقاولين وتجار الخردة.
سكت وراح ينظر إلىّ وبدا عليه التأثر.. قلت له:
- قعد يقول لى كده كل ما السادات ياخد قرار، وبالذات الانفتاح الاقتصادى اللى فاز بيه المقاولين وتجار الخردة، كان معايا فى مظاهرات يناير سبعة وسبعين وقال لى شفت.
قال ساخرًا:
- بس فى مظاهرات يناير؟
- قعد يقول لى كده لحد ما مات.. مات قبل ثورة يناير بأيام.
سكت قليلًا وبدا حزينًا بحق.. وقال:
- ربنا بيحبه إن ماشافش الثورة وهى بتضيع كمان.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة