أكرم القصاص - علا الشافعي

الأستاذ محمد حسنين هيكل يكتب لـ " الأهرام" : بيان واعتذار ورجاء..الصحافة واقعة فى أزمة مصداقية عصفت بكثير مما يستوجب الحرص عليه أمام قارئ يسأل:إذا كان صحيحا ما نرى ونعيش فكيف يكون صحيحا ما نقرأ ونسمع

الأحد، 19 أكتوبر 2014 10:06 م
الأستاذ محمد حسنين هيكل يكتب لـ " الأهرام" : بيان واعتذار ورجاء..الصحافة واقعة فى أزمة مصداقية عصفت بكثير مما يستوجب الحرص عليه أمام قارئ يسأل:إذا كان صحيحا ما نرى ونعيش فكيف يكون صحيحا ما نقرأ ونسمع محمد حسنين هيكل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشرت الزميلة "الأهرام"، مقالا للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أبدى فيه أسباب اعتذاره عن التكريم فى مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب، المنعقد بالقاهرة، وفى السطور التالية ننشر نص مقال الكاتب الكبير:


رأيت مناسبا وربما لازما أن أكتب هذه السطور لتكون بمثابة بيان وتوضيح واعتذار لأصدقاء وزملاء يلتقون اليوم فى "القاهرة"، بهدف تكريم بعض المحاربين القدامى فى صفوف المهنة.

إننى عرفت متأخرا وبمحض مصادفة أن اسمى كان بين الأسماء التى تفضلت الهيئات المعنية اتحاد الصحفيين العرب والنقابات المستقلة ووضعتها على القائمة المقترحة للتكريم.

ولم أكن قد أبلغت بذلك، أو عرفت به، إلى جانب أننى كنت بالفعل قد ارتبطت ببرنامج آخر مختلف يأخذنى خارج مصر لثلاثة أسابيع تبدأ اليوم بالتحديد وهذا البرنامج الآخر يتضمن مواعيد ولقاءات واجتماعات تتعدد أسبابها مع حالة نشاط سياسى دولى وإقليمى تتوافق عادة مع اقتراب عيد الميلاد وبداية عام جديد، فهذه الفترة دائما لحظة تكثيف شديد وحيوية زائدة تحاول أن تلحق وتنظم وتتصرف، قبل أن يحل موسم الإجازات ويهجر صناع القرار مواقعهم إلى دفء البحار فى الجنوب أو سفوح الجليد فى الشمال.

وبالنسبة لصحفى يتمنى أن يظل موصولا بمعالمه وعصره قدر ما يستطيع له الجهد والعمر فإن الاعتذار عما تم ترتيبه والارتباط بعد تصعب استعادته بسهولة، وقد لا تعود فرصته إلا عندما يبدأ فصل جديد فى السياسة الدولية، وهذا الفصل يبدأ عادة بخطاب "حالة الاتحاد" الذى يقدمه الرئيس الأمريكى إلى الكونجرس فى أواخر شهر يناير من كل عام وبعده تلف عجلة السياسة الدولية وتعود للدوران.

وحين تبدت أمامى الإشكالية الدقيقة لاحتمال حصار بين غياب عن مناسبة لها معناها وبين ارتباطات لها مواقيتها فقد بادرت إلى الاتصال بالصديق الكبير الأستاذ "ضياء رشوان" نقيب الصحفيين المصريين، لأن نقابته كانت السباقة بالفضل إلى وضع اسمى على قائمة المرشحين.

وسمعت من الأستاذ النقيب عندما اتصلت به أنه كان على وشك طلب لقاء يحدثنى فيه عن التفاصيل والملابسات، وبالفعل فقد اتفقنا على موعد فى اليوم التالى وسعدت وتشرفت باستقباله الأربعاء 15 أكتوبر ومعه اثنان من أعضاء مجلس النقابة هما الصديق العزيز الأستاذ "جمال فهمى" والنقابى القدير الأستاذ "كارم محمود"

وكان النقيب كريما ورقيقيا ومستفيضا فى شرحه، ورحت بصدق لا يخلو من حرج أطرح أمامه موقفى وحيرتى بين ما فكروا لى فيه وبين ما خططت لنفسى

وكان مجمل ما طرحت كما يلى:

1- من الناحية العامة فربما كان هناك من يستحق التكريم فى العالم العربى وفى مهنة الصحافة بالتحديد لكن السؤال هو ما إذا كانت اللحظة الراهنة موعده المناسب فهذه لحظة تضيق فيها صدور الناس بكل شىء وأى شىء وسواء كان التقدير صائبا أو خائبا فإن الإعلام يتحمل جزءا من المسئولية.

وعلى أيامنا فقد كان الدرس الأول فى أدب اللغة العربية يعلمنا "أن البلاغة هى مراعاة مقتضى الحال" ومقتضى الحال هذه اللحظة لا يستدعى تكريم أحد لا بصفحة من الورق مذهبه أو بقطعة من المعدن مزركشة.

2- ومن ناحية مبدئية فإن لى رأيا معلنا فى تكريم أى صحفى مؤداه أن القارئ أو المتابع لهذا الصحفى هو من يملك تقييم عمله سواء كان بالحبر على ورق أو بالظهور على شاشة، ويكون التقييم بالإقبال على ما يقدمه ذلك الصحفى أو بالإعراض عنه وليس هناك غير ذلك معيار دقيق أو أمين وقد كان من هنا اعتذارى الدائم عن أوسمة ونياشين واحتفالات وشهادات رأيتها فى أبسط الأحوال خارج سياقها، ذلك أن للتكريم فى العادة هدفين: هدف التشجيع العطوف أو هدف الذكر الحميد، فالجدير به أن ينتظر المقادير ولا يسبقها
على الأقل لكى يكون الحساب مستوفيا لزمانه وظنى بعموم أنه يصعب تقييم دور أى رجل فى مجال العمل العام لأن سجله مفتوح طالما هو موجود وأى حساب حقيقى لا يتأتى إلا بعد ختام نهائى.

3- إننى من الناحية الواقعة وبصرف النظر عن الناحية المبدئية لقيت كثيرا من الحفاوة وجدتها فياضة خصوصا فى الشهور الأخيرة ولدى شعور بالعرفان لكل حرف ولكل كلمة ولكل سطر كتب وقيل عنى ومع ذلك فقد تمنيت ورجوت أن يظل صدق الشعور ونبل القصد بالميزان وأظننى بالصراحة وبالحرج أيضا قلتها عندما سعدت بزيارة "الأهرام" بعد أربعين سنة من البعد "إننى أخشى أن تصبح شدة الحفاوة نوعا من المراثى تسابق المقادير" ورفض الكرام ما سمعوه من قولى كما لاحظت رفضا له من جانب كثيرين رأوا على شاشات فضائية الـ"سى بى سى" تسجيلا وافيا لتلك الزيارة لـ"الأهرام" لكنى كنت صادقا فيما عبرت به عن نفسى، عارفا بالفضل لأصحابه، ممتنا ومتأثرا إلى أبعد الحدود.

4- قلت للنقيب الكبير ولمن معه إننى من الناحية العملية فوجئت بالموضوع كله وقد كان يشرفنى أن أشارك مناسبته حاضرا يرحب بالزملاء والأصدقاء المكرمين من مصر ومن العالم العربى، على أن الرياح جاءت من اتجاه آخر وهبت عبر البحر إلى أمكنه بعيده.
سألت النقيب الكبير ورفاقه بعد حوار طويل: وإذن ما العمل؟ وأجرينا عرضا للمنافذ والمخارج وكان بينها اقتراح بأن نترك الأمور على مسارها وكأن شيئا لم يكن، بمعنى أن يقترح من يقترح تكريم من يريد وأن يلحظ من يلحظ غياب من يغيب ثم إن الزحام سوف يشتد والستار سوف ينزل ويعود الجمع من حيث أتى ويذهب المسافر إلى حيث يقصد وتنطفى الأضواء وينقضى الأمر.

ولم نصل معا إلى نتيجة محددة ولم أصل بعدهم إلى تصرف أستريح إليه تم تكشف أمامى أن الأمر لا يحتاج إلى منافذ أو مخارج وإنما يحتاج إلى وضع الحقيقة أمام أصحاب الحق فيها، وكذلك أكتب هذه السطور بيانا وشرحا واعتذارا وفى نفس الوقت ترحيبا وحفاوة ودعاء ورجاء.

والبيان والشرح والاعتذار لها جميعا أسباب مفهومة وأما الدعاء والرجاء فله داع آخر لكى أكون محددا فإن مهنة الصحافة فى ظنى تواجه مشكلة أصعب وأعقد، من كل ما تعرضت له منذ عرفتها بلادنا أواسط القرن التاسع عشر.

والحقيقة أن مطالب الدعاء والرجاء ملخصها أن المهنة الآن واقعة فى أزمة مصداقية عصفت بالكثير مما يستوجب الحرص عليه أمام قارئ ومشاهد يسأل كل منهما نفسه الآن: "إذا كان صحيحا ما نرى ونعيش فكيف يكون صحيحا ما نقرأ ونسمع؟"، وأعرف كما يعرف الجميع أن بيت الصحافة العربية واقع وسط مدينة السياسة العربية التى ضربتها الزلازل، وأصابت كل موقع فيها بغير استثناء" أى أن البيت الصحفى العربى أصابه ما أصاب المدينة السياسية العربية، وتحولت به إلى عشوائية آيلة لسقوط تاريخى مخيف حتى وإن لاحت على أطراف الخراب ناطحات سحاب تبدو من بعيد وهما يرسمه سراب.

والصحافة العربية وسط هذا المشهد المزعج معرضة للتهم، أو على الأقل مطالبة بحساب وبدون أن نشغل أنفسنا الآن بتوزيع المسئوليات فدعونا نسأل: أليس صحيحا أنه فى طبيعة هذه المهنة وفى دورها أن تمارس وظيفتها تحت كل الظروف سواء فى ذلك ما تصنعه الطبيعة أو ما يصنعه البشر؟

أليس صحيحا أن المهنة ومهما كان ما أصابها مكلفة بالعمل عقب الزلزال وفى وسط الحطام وحتى فى خضم مستنقعات الدم؟

ذلك صحيح والصحيح بعده أن البيت الصحفى العربى وأهله فى ذلك الوضع وعليهم تكليفه وفى اختصاصهم واجبة.

والآن.. أهلا وسهلا بالقادمين إلى القاهرة ولهم جميعا اعتذارى لأننى لست بينهم ثم بعد ذلك اقتراحى عليهم أن يختصروا مراسم التكريم فى أضيق الحدود وأن يكرسوا النهار كله والليل إذا استطاعوا لكى يفكروا ويفتشوا ويسألوا: "كيف يمكن للمهنة وفى هذه الظروف أن تكون آخر ريشة فى آخر جناح يقدر على الطيران فى أجواء مضطربة علّها تكفر عن نصيبها من المسئولية باكتشاف ممر مفتوح إلى مستقبل ممكن بدلا من مستقبل مستحيل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد زيدان

الاستاذية

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد - أمريكا

هرمنا الرابع

عدد الردود 0

بواسطة:

د فوزي رمضان

بصراحه

استاذ يحترم نفسه ومثل اعلي

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل بخيت

رجل كل الازمان

عدد الردود 0

بواسطة:

عثمان

اطروحات هيكل

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد

عن المصداقية

عدد الردود 0

بواسطة:

ابو صلاح

عودة النكسة

عدد الردود 0

بواسطة:

الأبتزاز و الكذب و السخافه و جهه نظر

بتنفخ فى قربه مقطوعه - الصحافه فى مصر حالها يصعب على الجاهل

عدد الردود 0

بواسطة:

omaf

يا استاذنا لماذا انت متشائم للمستقبل

افزعتني، ولعل ماتراه سرابا هو حقيقة باذن الله

عدد الردود 0

بواسطة:

جمال حنفى

الى رقم 7

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة