محمود صلاح

شجرة عجوز!

الجمعة، 20 يونيو 2014 03:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما حلمت يوماً أننى زهرة، مع ما عشقت من الزهور منذ طفولتى عشقاً رافق سنوات العمر. كانت الورود فيها صحبتى المفضلة، يرتاح قلبى لجمال منظرها، وتسمو روحى بعبق عطرها.

تمنيت أن أكون عصفوراً رقيق الجناحين يرتفع فوق الأرض محلقاً فى السماء، يرفرف بين السحابات البيضاء ويغرد أغانى الحب والخير والحرية.

كانت روحى دائماً حائرة هائمة شاردة، ترنو نحو أفق بعيد، مثل شاطئ مستحيل الوصول إليه، وكانت وما زالت نفسى متعبة مشتتة مثل سفينة كتب عليها أن تظل فى إبحار متواصل بلا ميناء ترسو إليه.

وكانت فى حديقة البيت شجرة وحيدة جذبتنى صغيراً بظلالها الوارفة وجذعها العجوز النابت من بطن، يرفعها فى صبر نحو السماء وتحت الشجرة عشت طفولتى، تعرفت إلى نفسى ومن هناك عرفت الحياة.

صادقت الطيور التى نبت أعشاشها بين الأغصان، فرحت بالأوراق المتساقطة كل خريف، وكانت شجرتى شاهداً على أسرار حياتى، رويت كلها كل التفاصيل، وبكيت وأنا أسند ظهرى إليها، وكانت تستمع إلى أناتى وتربت فى عطف على كتف أحزانى.

كنت كلما ضاقت بى الدنيا على ما رحبت لا أجد صديقاً ولا ملجأ سوى شجرتى، شكوت إليها من الظلم ومن سوء الفهم، ومن تدابير القدر.

كانت شجرتى شاهداً على أيام عمرى، أحلام صبايا وجهل شبابى وأحزان رجولتى واستسلام شيخوختى، مرت أحداث حياتى كأوراقها المتساقطة، كل ورقة قصة، ابتسامة، دمعة، ذكرى.

ودون أن أدرى حاولت أن أكون أنا شجرة، تحتضن من يحتاجها وتمد أذرعها بالرحمة والحب لمن حولها، جعلت ظلالى مأوى من قست عليه الحياة وثمارى للذين يستحقون نعمة العطاء، لكن السنوات مضت، واصفرت أوراقى الخضراء ولم تعد الأغصان وراقة ذات ظلال، فهرب كل من كانوا يستظلون بى، عندما نضبت الفروع وسقط بعضها، وأصبحت كل مواسمى خريفاً دائما.

بقيت شجرة البيت فى مكانها.. أما شجرة حياتى فقد نالها الزمن وأصابها الهرم.

جفت شجرة الحياة.. أصبحت شجرة وحيدة عجوز، لا تظلل ولا تثمر، ولا نفع فيها ولا فائدة سوى أن تقتلع جذورها الجافة، لتصبح حطباً، يدفئ حياة الآخرين!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة