كمال حبيب

داعش تطل علينا من كل جانب

الثلاثاء، 22 يوليو 2014 12:50 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
داعش فى الواقع ليست مجرد منظمة مخيفة ولكنها حالة تعبر عن التردى الحضارى الذى وصلت إليه المنطقة العربية، تمهل داعش مسيحيى الموصل أربعة وعشرين ساعة، إما أن يقبلوا الإسلام أو يدفعوا الجزية أو يغادروا بيوتهم فورا. إن وجود المسيحيين فى المنطقة العربية بدون إكراه على دخولهم الإسلام واعتبارهم مواطنين متساويين فى الحقوق والواجبات هو أكبر دليل على عظمة الإسلام وتسامحه، ووجودهم فى ذاته دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق القرآن الكريم، كما أشار ابن القيم فى كتابه المهم والكبير المعنون «أحكام أهل الذمة» والذى حققه صبحى الصالح وقدم له بعنوان «علم السير» محمد حميد الله مقدمة مهمة تعكس تسامح الإسلام مع المسيحيين الذين سماهم أهل الكتاب، وجعل لهم أحكاماً خاصة مختلفة عن أحكام المشركين والوثنيين ممن ليس لهم كتاب.
إن النبى صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة كتب كتاباً بينه وبين أهلها من أهل الكتاب، وهم اليهود فى ذلك الوقت، وبالطبع كان هناك مشركون من أهل المدينة لم يدخلوا الإسلام، كان أساسه المشاركة فى الغرم والغنم ولم يأمرهم بترك منازلهم أو الاستيلاء على أملاكهم وأموالهم، كما أن العراق حين فتح فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه اجتهد لأهله فأبقى الناس فى بيوتهم وأملاكهم دون عدوان عليهم، وفى فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم لم يتعرض الفاتح لدين أهل مصر أو ممتلكاتهم بل عمل فيهم بوصية النبى صلى الله عليه وسلم «إن لهم رحما وذمة» أى عهدا فى الرقاب أن نقوم على حمايتهم. وقد أسقطت الدولة العثمانية الجزية تماما عام 1857 وتم إسقاط الجزية فى مصر عام 1856م، وذلك أن الجزية كانت بدلا عن الحماية ودخول الجيش، ولما كانت الدولة تتجه لتوسيع دخول مواطنيها للجيش بما فى ذلك مسيحيوهم فلم يعد هناك معنى لتحصيل الجزية منهم. وفى كثير من الحالات أسقطت الدولة الإسلامية الجزية عن مواطنيها من أهل الكتاب إذا قاموا بالمشاركة فى الجيش، وقد حدث ذلك غالبا كلما بعد الإقليم عن مركز الدولة، ولم تكن الجزية اختراعا إسلاميا ولكنها كانت موجودة قبل مجىء الإسلام فأقرها بهذا الاعتبار وأسقطها طبعا عمن لا يستطيع أن يقاتل، فالجزية عوض عن الحماية فإذا شارك أهل الكتاب فى الجيش فقد سقطت الجزية وقد انتهى الاجتهاد الإسلامى إلى إسقاط الجزية واعتبار المواطنين فى الدول التى ينتمون إليها متساوين فى الحقوق والواجبات.
داعش تتمدد وشبابنا ينضم بكثافة إليها دون بقية الفصائل، فكلما ازداد التشدد والتطرف كلما كان ذلك مدعاة للإغراء والجذب، ذلك تعبير عن مدى التدهور والانحطاط الحضارى الذى تعيشه منطقتنا العربية بسبب غياب نموذج مختلف يمثل الاجتهاد الذى يوافق العصر ويلبى مطالب الإنسان ويقدم صورة جديدة لنموذج إسلامى مختلف، إننى أشعر بالأسف أن تتحول الموصل إلى بلد يتم طرد مسيحييها منها، فتلك كارثة وقد كانت العراق تعبيراً عن عالم يتعايش فيه الجميع بدون ثأرات أو حساسيات طائفية فى ظل الدولة العثمانية وأحيل هنا إلى كتاب «فيليب فارح ويوسف كرباج عن المسيحيين واليهود فى التاريخ الإسلامى.
داعش حالة للانحطاط والتردى الحضارى لا يمكن مدافعتها إلا بحالة أخرى للصعود والرقى الحضارى، وذلك عن طريق استعادة الوجه المتسامح لديننا الإسلامى الحنيف، ذلك يحتاج إلى دولة ومؤسسات خاصة الدينية تؤسس لاجتهاد مختلف، يحترم العصر والإنسان ويعتبر الحرية والعدل منطلقاته الأساسية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد حندس

الى رقم 1

من فضلك رد على رقم 2

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة