د. محمد على يوسف

قصة ذنب

الأربعاء، 01 أبريل 2015 11:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعم للذنب حكاية وقصة.. أذنبت.. حسنًا إذن.. هذه ليست النهاية، بل هى فقط بداية القصة، فابتداءً سترك الله فى أثناء ممارسة الذنب ولم يفضحك، ثم أمر صاحب الشمال أن يرفع القلم لست ساعات لا يكتب الذنب لعلك تنتبه وتندم وتعود، فيلقيه كما ثبت فى الحديث الصحيح..ثم نداء وبسط يد بالنهار لتتوب إن كنت قد أسأت بالليل، ومثله بالليل نداء وبسط آخر إن كنت قد أسأت نهارًا، ثم نداء عام يشملك مع كل من أذنب، وذلك فى الثلث الأخير من الليل حين ينادى قائلًا: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له؟ ثم إمهال وحلم بعد أن غفلت عن التوبة ربما يمتد لسنين طويلة لعلك تتوب وترجع، فإن مر كل ذلك كتب عنده ذنب واحد، وكان فى مشيئته، وربما يمحى الذنب بالكلية بل ويبدله الله حسنات إن تبت وحققت شروط التوبة تلك التى ذكرتها مجملة فى مقال الأسبوع الماضى، ووعدت بتفصيلها.. إخلاص وندم وإقلاع وعزم.. شروط أربعة للتوبة زاد عليها بعض العلماء شرطًا خامسًا، هو رد الحقوق والاستحلال من المظالم فى حالة المعاصى المتعدية للغير.. شروط سهلة ميسورة لمن يسرها الله عليه، وأدرك أنها ليست مجرد قواعد جامدة تردد فى خطب روتينية ومواعظ نمطية، لكنها منهج حياة يستصحبه المؤمن فى كل أحواله ويحيا به ويتعايش معه.

أما الشرط الأول للتوبة فهو ليس خاصًا بها، إنما هو ثابت لا تنازل عنه فى أى عبادة، شرط ‏الإخلاص.. أن تكون نية التوبة خالصة لله وحده لا لدنيا يصيبها التائب، ولا لمخلوق يرضيه. أما الشرط الثانى للتوبة وهو الأهم، وبه لخص النبى حقيقة التوبة فقال: «‏الندم توبة»، هذا الشعور بالندم يمكنك أيها التائب أن تحاول الوصول إليه إن لم تجده فى قلبك ابتداءً، وذلك من خلال النظر لمن عصيت، والنظر لعاقبة المعصية.. لقد عصيت خالقك ورازقك ومن أنعم عليك بكل ما تتقلب فيه، عصيت القادر على أن يسترد نعمه، وينزل عليك نقمه، ويعجل لك عقوبته فى الدنيا ثم الآخرة، أفلا يستحق هذا ندمًا؟!

أما الشرط الثالث من شروط التوبة فهو ذلك القرار الحاسم، قرار الإقلاع عن الذنب والكف عن انتهاك حرمات الله، والتوقف عن مبارزته بالخطايا، قرار صعوبته تكمن فى لحظة واحدة ما بعدها أيسر، إنها لحظة اتخاذه، لحظة مجابهة النفس وقمع الهوى ومواجهة الشهوة بكلمة حاسمة قاطعة، كلا.. قضى الأمر.. انتهينا يا رب.. من دون ذلك القرار القاطع، وتلك المواجهة الحاسمة فما التوبة إلا دعاوى لا يصدقها العمل.. وأخيرًا يأتى شرط العزم، والعزم على عدم العودة للذنب شرط أصيل من شروط التوبة ذلك لأنه مرتبط بأمرين الصدق والأدب، فكيف تكون التوبة صادقة وبين يديها تلك النية المضمرة بأنه عائد إلى الذنب بعد حين؟! وأى تأدب مع الله ذلك الذى يزعمه ذلك الذى سولت له نفسه وصورت له أنه سيخدع مولاه؟!

لا أتحدث هنا عن ذلك الذى يعلم من نفسه ضعفًا، ويدرك احتمالية وقوع الزلة والهنة، فكلنا هذا الرجل، لكن المقصد هو العزم وانعقاد النية الآنى فى تلك اللحظة الحاسمة، لحظة القرار هنا لابد من نية وحسن ظن.. لابد من قوة ولو مؤقتة.. لابد من تجاهل لهذا الاحتمال القائم بالعودة، فإن عدت فأعد الكَرّة، عد وتب.. ثم عد فتب.. ثم عد فتب، ولا تمل، فإن الله لا يمل حتى تمل، لكن البداية عزم على عدم تكرار تلك القصة.. قصة الذنب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة