كمال حبيب

الإسلاميون والتغيير والمستقبل.. أجوبة «النهضة» ودهشة الإخوان

الإثنين، 30 مايو 2016 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهم حركة إسلامية فى العالم العربى تأسست منذ ما يقرب من مائة عام، أى قرن كامل، وخلال المائة عام تلك تغير العالم، وانهارت إمبراطوريات، وهوت عروش، وسقطت أيديولوجيات، وقامت بديلا لها أفكار ونقاشات ومحاورات ونظريات، ولم يعد ممكنًا لأى أحد أن يقول إن العالم الذى ظهرت فيه حركة الإخوان هو نفسه العالم الذى نعيشه اليوم.

لا يزال الإخوان يعتبرون حسن البنا هو المرجعية الرئيسية لهم، فتجد الأدبيات فى كل قضية أو موضوع تعود لما كتبه البنا منذ ما يقرب من المائة عام، فى الدولة الإسلامية والخلافة، وفى التنظيم والتغيير، وفى العمل البرلمانى والديمقراطى والحزبى، وفى ترتيب الانتماء للجماعة، وتأسيس معاقد الولاء والبراء وفق ذلك الانتماء الذى يجعل من حركة الإخوان التجسيد والتجلى للتعبير عن الحركة للإسلام.

واجه الإخوان المسلمون جميع النظم السياسية فى البلدان التى أسسوا فيها تنظيماتهم، وفى مصر واجهوا الدولة المصرية فى جميع مراحلها ونظمها السياسية، وحين وصلوا للسلطة لمدة عام عزلوا عنها، وهو ما يعنى أن هناك مشكلة فى مسار الجماعة، هذه المشكلة فى تقديرى تتصل بالتجديد داخل الجماعة، وإعادة النظر فى الأدوار المنوطة بها، مع تغير العالم بعد مائة عام من تأسيسها، وتغير المجتمعات وأجيال الشباب والشابات التى تخاطبها. لم تسمح الجماعة بأى اجتهادات داخلها، والاجتهاد الذى قدمه سيد قطب كان فرديا ولم تتبنه الجماعة بشكل واضح، كما أنه اجتهاد فى سياق محنة، فطرح رؤى أكثر مفاصلة وانعزالا، وأسس مستكملا مسيرة البنا لما أطلق عليه «الإسلام المواجه».

اليوم تواجه الجماعة لحظة الحقيقة، بعد وصولها إلى السلطة وبعد خروجها منها، ماذا هى فاعلة؟ الرد الغريزى الثأرى سيقول: نريد استعادة ما ضاع منا، وهاهى تفعل ذلك! ولكن كيف؟ بمنطق الغرائز والارتباط الشرطى وفق- بافلوف فإننا سنتحول من جماعة إصلاحية إلى ثورية، ولكن ما هى الثورية؟ استعادة لحظة يناير وفق رؤيتنا الخاصة، ووفق تجربة ما جرى لنا من خداع وتمويه، ووفق تسلح بأدوات القسر والقوة التى لم نتحل بها حين حكمنا لنواجه أعداءنا. هذا ليس اجتهادا فكريا وتأسيسا أصيلا يستجيب لمقتضيات التغيير والعصر، ولكنه يستجيب لمنطق استعادة ما فقدنا، نفسية السلب بعد العطاء، وهى تستجيب لمنطق الحركة والمنازلة والمواجهة، وفق ما تعطيه قدرات الطاقة والغرائز والحمية، لا ما يفرضه منطق الاجتهاد والتفكير الذى يستدعى أسس العقل والتفكير، والنظر إلى المستقبل وفق معطيات ما جرى من تغيير فى العوالم كلها خلال مائة عام.

فى تونس أعلنت حركة النهضة أنها تغادر الإسلام السياسى إلى المسلمين الديمقراطيين، وهى تعلن أنها تفصل بين الدعوى والسياسى، وتعلن أنها تؤسس لحزب سياسى وطنى ملتزم بقواعد الدستور والقانون، وقواعد المنافسة السياسية، وهى تعلن أن القضايا الدعوية والدينية تتولاها مؤسسات المجتمع المدنى، بحيث تكون بعيدة ومنفصلة تماما عن الحزب السياسى الذى يفترض أنه سيكون مفتوحا لكل المواطنين، ومستقلا تماما ماليا وإداريا وخططا وتفكيرا عن الجانب الدعوى والتربوى والدينى، كما أن المساجد يجب أن تكون مستقلة تماما عن الأنشطة السياسية والحزبية.

فى كتابنا الأخير «أزمة الحركة الإسلامية فى مصر.. قراءة جديدة فى الأفكار والتحولات»، دعوت بلا مواربة إلى اجتهاد جديد على الحركة الإسلامية أن تواجهه، وهو مغادرة فكرة التنظيمات وترتيب الانتماءات داخلها، ومغادرة السرية وأفكارها، واستبطان اهتبال فرص الاستيلاء على مؤسسات الدولة ومقدرات المجتمع لأقيم دولة على مقاسى هى الدولة الإسلامية. الخروج من أسر التنظيمات والعمل للأمة بأكملها وفق القواعد والقوانين التى تنظم هذا العمل هو السبيل الوحيد للتغيير والمستقبل معا. كان الغنوشى أحد المدافعين عن تجربة حزب العدالة والتنمية فى تركيا التى أسست لما أطلقت عليه «الإسلام المشارك»، وها هو يقترب منها تدريجيا، لا سبيل أمام الإسلاميين إلا التوافق مع العالم وتنظيماته الأفقية التى ترفض السرية، وتقوم على التواصل والمشاركة للأمة كلها، وليس قطاعا منها. «النهضة» تدق أبواب الإخوان، وتقود الإسلاميين فى العالم العربى نحو عالم الإسلام المشارك، بعيدا عن أفق المواجهة والصخب والإجلاب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة