المتهم مريض حتى تثبت إدانته.. حكايات وراء قضبان مستشفى الأمراض النفسية.. سيدة قتلت ابنتها وآخر أحرق منزله.. جناح المودعين لمرتكبى الجرائم بقرار من الطب الشرعى.. والطب النفسى يحذر: الإدمان ناقوس الخطر

الجمعة، 17 فبراير 2017 07:36 م
المتهم مريض حتى تثبت إدانته.. حكايات وراء قضبان مستشفى الأمراض النفسية.. سيدة قتلت ابنتها وآخر أحرق منزله.. جناح المودعين لمرتكبى الجرائم بقرار من الطب الشرعى.. والطب النفسى يحذر: الإدمان ناقوس الخطر المتهم مريض حتى تثبت إدانته
كتبت - أميرة شحاتة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مريض نفسى أم مجرم؟.. سؤال يتردد على أذهاننا كثيرًا عندما تُرتكب جريمة من قبل شخص مختل عقليًا، وهذا ما يجيب عنه الطب الشرعى النفسى، ويكون بناء عليه حكم النيابة إما باحتجازه فى السجن، أو إيداعه مستشفى الأمراض النفسية، ففى نظر المحكمة المتهم مريض حتى تثبت إدانته، وإثبات أنه قام بالفعل فى كامل قواه العقلية، وبإدراك ووعى كاملين بالجريمة التى يرتكبها، وفى نظر المجتمع يظل المتهم متهمًا مادام ارتكب الجريمة، وما بين فكر المجتمع والقانون تبدو الفجوة، وتحتاج لإعادة النظر فى مسألة التعامل مع المرضى مرتكبى الجرائم، وتسليط الضوء على التفاصيل التى تحيط بإيداع المرضى مستشفيات الصحة العقلية والأمراض النفسية، والاختبارات التى يحدد عليها ذلك، والعلامات التى يجب أن نحتاط منها قبل ألا ينفع الندم.
 
قال الدكتور محمد على، أخصائى الطب النفسى، المتحدث باسم الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إن الأمانة عقدت بروتوكول تعاون مع قسم الطب الشرعى، جامعة عين شمس، بشراكة جامعة نوتنجهام، ويهدف البروتوكول لتدعيم الأمانة على أنها جهة إكلينيكية تحدد إذا كان المتهم مريضًا أم لا، فيكون الاستناد للرأى الأكاديمى أيضًا مهمًا من جانب الطب الشرعى النفسى لتقييم المريض.
 
وأضاف الدكتور محمد على أن البروتوكول جاء فى إطار رفع الإمكانيات الخاصة بالأمانة إلى آخر ما وصلت له الدول المتقدمة فى الأبحاث والاختبارات، لتكون على معايير دولية فى تقييم المجرم عقليًا، واتباع أساليب جديدة فى التعامل مع المريض بشكل علمى أفضل.
 
وأوضح أخصائى الأمانة العامة للصحة النفسية، أن المريض مرتكب الجريمة يتم حجزه فى مستشفى العباسية للأمراض النفسية فى حالة كانت إحدى السيدات، أو فى مستشفى الخانكة فى حال كان أحد الرجال، وكلا المستشفيين تابع لإدارة الأمانة العامة، وبعد النظر فى حالة المريض، يتم تحديد إذا كان مسؤولًا عن تصرفاته أم لا، وفى الحالة الأولى تحكم النيابة أن يتم إيداعه فى المستشفى، ليتمكن من قضاء فترة العلاج والتأهيل النفسى.
 
وأكد «على» أن معظم المرضى الذين يتم عرضهم على لجان الطب الشرعى النفسى يأتون بعدوان مفرط ناتج عن فكرة مرضية بأن شخصًا يشك فى أحد أفراد الأسرة، وكثيرًا ما تحدث الجريمة فى المحيط الأسرى، خاصة تجاه شريك الحياة، فمن أكثر الأمور خطورة هو شك الزوج فى الزوجة، ويعد من الأمور المؤدية لفتح باب الجرائم.
 
أما عن نظرة المجتمع للمريض النفسى، فأشار أخصائى الأمانة العامة للصحة النفسية إلى الفكرة التى تؤكدها دائمًا المؤسسة من ضرورة قبول المجتمع للمرض النفسى على أنه مثل الأمراض الأخرى التى يصاب بها الإنسان، لأنه بسبب الوصمة يمتنع عن العلاج، ومن ثم نجد النماذج الإجرامية الموجودة بسبب الأمراض النفسية.
 

الجريمة فى المرضى النفسيين

 
فيما قال الدكتور رضا الغمراوى، مدير مستشفى العباسية للأمراض النفسية، إن دورة دخول المريض المستشفى تبدأ من مكتب النائب العام الذى يرسل المتهم ليحدد هل هو مسؤول عن فعله أم لا، وما مدى قوته العقلية، ويودع فى جناح خاص بعد رأى الطب الشرعى النفسى، وذلك عند الشك فى قواه العقلية بعد مرحلة الفحص التى تثبت قيامه بالفعل فى غير وعيه، أو وجود خلل عقلى ما لديه. 
 
وأشار «الغمراوى» إلى أنه إذا كان غير مسؤول يتم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية، وتتابع لجنة من خارج المستشفى الحالات بعد إيداعها وتشخصها، وبناء عليه يتبين تعافيها أم لا، مؤكدًا أن المرض النفسى مثل المرض العضوى، ولكن هناك بعض الأعراض النفسية تسبب خطورة على المريض نفسه، أو من جانبه على الآخرين، ولكن يمكن التعامل معها وعلاجها.
 
ولفت الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى بقصر العينى، إلى أنه من حيث المبدأ لابد أن ننتبه أن المرضى النفسيين ليسوا هم الأخطر والأكثر إجرامًا بين الناس، وألا نستسلم لما يشيعه الإعلام فى عجلة، وأن نفرق بين الإحصاءات العلمية التى تحدد نسبة من يرتكب جرائم الإيذاء بالذات بين المرضى، مقارنة بنسبة الذين يرتكبون نفس الجرائم ممن نسميهم أسوياء، مضيفًا: «على حد علمى فإن النسبة علميًا قريبة من بعضها البعض، ليس معنى هذا أن نستهين بخطورة المريض العقلى المهتاج أو الذى فقد علاقته بالواقع، أو الذى وقع تحت تأثير ضلالات وهلاوس تأمره بالجريمة، لكن ليس معنى انتباهنا إلى كل هذا أن نزيد تشويه صورة المريض النفسى ووشمه وإرعاب الناس منه».
 

الدوافع النفسية ليست مرضاً عقلياً

 
من جانبه، أكد الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، أن المرض النفسى لا يكون السبب فى ارتكاب الجرائم إلا فى حالات قليلة، وأن الجرائم ترتكب فى الطبيعى بدوافع نفسية، فلا يتمكن الشخص من سد غضبه، ومن ثم يقدم على فعل خاطئ، أو يكون لديه سوء تفاهم بخصوص موضوع ما، ولكن هذا لا يعنى أنه مريض عقلى لأنه ارتكب الجريمة، وكذلك قد يشعر بالفشل، وأنه لا قيمة له، فيعطى له شخص مساحة لإبراز نفسه بشكل غير قانونى ويقبل، ولكن كل ذلك أمر طبيعى لا صلة له بالمرض النفسى.
 
وأضاف «الضبع» أن هناك فرقًا كبيرًا بين سلوكيات غير سوية، ونطلق عليها اضطرابات نفسية، وبين مريض عقلى، فالأولى طبيعية وتكون لدى البشر الطبيعيين، ولا يمكن أن يتم تشخيصها على أنها مرض يستوجب حجز المتهم به فى مستشفى للأمراض النفسية، لأنه يكون واعيًا ومسؤولًا عن تصرفاته.
ونقلت الدكتورة شيرين دحروج، أخصائى التأهيل النفسى بمستشفى العباسية للأمراض النفسية، تفاصيل التعامل مع الشخص المشكوك فى قواه العقلية، قائلة إن النيابة تطلب فحص الحالة فى مستشفى العباسية، ثم تتحول إلى الطب الشرعى، وتظل 45 يومًا يتم القرار فيها بناء على سلوكياتها وتخضع لاختبارات، مثل اختبار الذكاء، واختبار بندر جشطلت البصرى الإدراكى، واختبار رسم اليد الإسقاطى، وتوضع تحت الملاحظة لمعرفة إذا كانت قامت بالفعل ومدركة أم لا، ثم يرسل التقرير للنيابة وتودع المستشفى لحين العلاج ثم التسلّم من الأهل إذا وافقوا على تسلّمها، أو تركها فى المستشفى إذا لم يتسلمها أحد.
 
أجاب الدكتور يحيى الرخاوى عن سؤال شائك، هو: هل يكون المريض فى وعيه خلال ارتكاب الجريمة؟، قائلًا: لكى تكتمل أركان الجريمة لا بد من توفر ركنين، هما الركن المادى، يعنى معالم الجريمة نفسها من قتل واغتصاب وغيره، والركن المعنوى، وهو توفر قدر كاف من الإرادة والوعى والتمييز، فإذا لم يتوفر هذا الركن المعنوى فلا تكيـَّف الجريمة على أنها جريمة، والمريض العقلى لا يفقد الوعى أو الإرادة أو التمييز إلا نادرًا.
 
وأضاف «الرخاوى» أن ذلك منطبق حتى لو كان تشخيص الحالة أنه مرض عقلى شديد، كالفصام مثلًا، لذلك المهم فى تقرير الطبيب النفسى الشرعى هو تحديد وجود ودرجة كفاءة هذه الوظائف الثلاث حتى يكون المتهم مسؤولًا، وليس الاكتفاء بذكر التشخيص، ليس هذا فقط، بل عليه أن يحدد درجة خلل هذه الوظائف، وبالذات وقت ارتكاب الجريمة، لا قبلها ولا بعدها.
 

سجل الجرائم النفسية 

 
فيما لفتت الدكتورة شيرين دحروج إلى أن إضرام الحرائق، وارتكاب جرائم القتل هى أكثر الجرائم خطورة من بين ما ارتكبتها المودعات بالمستشفى، وتكون جرائم القتل خاصة بالأقارب، بالإضافة إلى محاولات انتحار، ومن بين هذه الحالات حالة سيدة يتم تأهيلها حاليًا قتلت ابنتها، والتى تعانى من الفصام، وهو ما جعلها تقتلها بسبب ضغط الأفكار التى لا يمكنها منعها، وترجع هذه الأفكار للضلالات البصرية والسمعية التى تأتى للحالة، وتم علاجها بأدوية مهدئة، خاصة بالفصام، ثم بدأت حاليًا «كورس» التأهيل حتى لا تحدث انتكاسة للمرض، وتمارس نشاط «التريكو».
 
ونوهت أخصائى التأهيل النفسى بأن أعداد المريضات فى جناح المودعات تتراوح بين 100 و200 مريضة جئن من خلال قضايا مختلفة، وأن أعداد المرضى المرسلين من الطب الشرعى يتزايد، مؤكدة أن الجناح مفصول نهائيًا عن باقى النزلاء بالمستشفى، لأنهم يمكن أن يؤذوا أنفسهم وباقى المرضى، لذلك يكون جناحًا مشدد الحراسة والرعاية.
 
وأضافت «دحروج» أن هناك عددًا من العوامل المختلفة التى تؤثر على المريض، مثل التنشئة والمحيط الاجتماعى والضغوط، وأنه من أبرز الأمراض النفسية التى يعانى منها المرضى، مرتكبو الجرائم، اضطراب المزاج، وهناك اضطرابات شخصية، مثل الشخصية الحدية، لأنها اندفاعية جدًا، تفعل الأمور من غير تفكير، ثم عندما تنتهى منها لا تشعر بالندم أو الذنب، وتبدأ بسلوكيات بسيطة إلى أن تصل للقمة، ومرض الفصام أيضًا، والشخصية السيكوباتية التى تكون ضد المجتمع.
 
وحدد الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، عددًا من الأمراض النفسية التى يكون فيها المريض أكثر خطرًا، وأقرب إلى ارتكاب جريمة، وجاء على رأسها الفصام البارانوى، والاضطراب البارانوى، ويقدم المريض المصاب بهذه الأمراض على القتل أحيانًا، والذى يكون متعمدًا لأنه يكون لديه تخيل بأن الشخص الآخر سيقتله، فيكون من منطلق أقتل قبل أن أُقتل.
 
وأضاف «فرويز» أن مريض الصرع يقتل وهو ليس فى وعيه، ولا يشعر بشىء، أما مريض الهوس فمن الممكن أن يضرب شخصًا أو يدفعه من الشرفة، ويكون غير متعمد القيام بذلك إطلاقًا.
 
كما لفت إلى أنه فى حالة مريض الوسواس القهرى تكون المشكلة فى الومضات، وهى عبارة عن فكرة تتكرر دون توقف، فتجد المريض يخنق شخصًا معه فى المصعد على سبيل المثال دون سبب، غير تكرار الفكرة بإلحاح يضعه تحت ضغط.
 
ويحذر استشارى الطب النفسى من نوع آخر من الأمراض النفسية يسمى بالاكتئاب السوداوى، الذى عندما يكون فى أقصى حالاته قد يقتل المريض الأشخاص الذين يحبهم قبل أن يقتل نفسه، لأنه يشعر أن الدنيا لا تستحق وجودهم فيها لأنها سيئة جدًا، فيفعل ذلك بدافع الحب، وهذا هو الأكثر خطورة.
 
وأشارت الدكتورة شيرين دحروج إلى أن هناك عددًا من الطرق التى يتبعها مستشفى العباسية فى «كورس» تأهيل المرضى، والتى تشمل إشراك المرضى فى أعمال فنية ومسرحية، وأنشطة أخرى كثيرة، مثل الرسم والموسيقى والتريكو والكروشيه، وتمتد فترة التأهيل بحسب كل مريض، ونوع مرضه، فيختلف مريض الفصام عن مريض الاضطرابات الشخصية، وكل منهما حسب حالته ووضعه النفسى.
 

الإدمان ناقوس الخطر

 
وفى هذا الصدد، يرجع الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية، الإصابة بمرض نفسى إلى الظروف الحياتية والمادية والاقتصادية والأسرية، فكلها تؤثر بتشتيت ذهنى وتفكير كثير فى المستقبل دون حل، فيصل الشخص لمرحلة اليأس، ولا يتمكن من المواجهة، ويلجأ لأى شىء يبعده ويهرب من المشاكل، مثل الذى لا يعمل أو يعمل براتب ضعيف فيشعر بأنه تحت ضغط دائمًا، ويلجأ لمسكنات لا تحل المشكلة، إنما تتركه للواقع مرة أخرى، حتى يصبح مضطربًا وعرضة للأمراض النفسية، بل يصبح أرضًا خصبة لكل المشكلات التى تؤثر بالسلب دون التغلب عليها، ومن ثم ارتكاب الجرائم، وتمثيل خطورة كبيرة لا يعيها الأهل إلا بعد الكارثة.
 
وأكد استشارى الطب النفسى أن الحل فى التعامل مع المشكلات النفسية البسيطة فى بدايتها، والتى لا تحتاج إلا التوجه للطبيب، للتوجيه من خلال جلسات علاجية أو تناول الأدوية، خاصة أن طاقة الناس النفسية أصبحت ضعيفة، وأصبح الجميع يلجأون للمهدئات التى لا تنمى المقاومة لكل ما يجعله فى حالة اكتئاب وإحباط، ويربط حالته المزاجية بالدواء حتى تتفاقم حالته وتتدهور نفسيته.
 
وعلى جانب آخر، قالت الدكتورة أسماء عبدالعظيم، أخصائى العلاج النفسى، إن الإدمان هو الأكثر خطورة على الإطلاق، وهو الباب للمرض النفسى فى كثير من الأحيان، بما فيها المتعلقة بالهلاوس وأمراض الذهان، وذلك بالإضافة إلى خطورة الإدمان نفسه الذى يجعل الشخص يقتل أو يسرق أو يدمر كل شىء حوله فقط من أجل الشىء الذى يتعطاه، لذلك يجب أن يكون الوعى بمخاطر الإدمان أكثر، خاصة بين الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكبر ما بين المدمنين.
 
المتهم مريض حتى تثبت إدانته
 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة