محمود جاد

وقفة مع الصديق الإيطالى.. نصائح من وحى الأزمة الليبية

الأحد، 05 مايو 2019 02:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا شىء خلف البحر المتوسط يشى باستقرار محتمل.. فالجانب الآخر من الشط يسكنه الجنون، بداية من تركيا شرقاً والتى يحتلها ديكتاتور تراوده أوهام الخلافة، وصولاً إلى إيطاليا التى تجنى فى غرب البحر أشواك الديمقراطية قبل ثمارها.

 

خلف المتوسط، تلفظ إيطاليا أقلياتها وتسقط فى دوامة الحكومات الائتلافية التى تعكس فى أحيان كثيرة أن الديمقراطية ليست خيراً مطلقاً، وأن الصناديق كثيراً ما يكون لها أحكام يدفع ثمنها المواطن البسيط، وعلى امتداد الشط وفى الجهة الأخرى يتقلب الأتراك على جمر الاستبداد الذى ينشره رجب طيب أردوغان ونظام حكمه.

 

يسير المقيمون على الجانب الآخر من البحر معصوبى العينين داخل حقل ألغام، ويواجهون فى ذلك الجزء من العالم أمواج لا تنقطع من اللاجئين ويدفعون ثمن أخطاء ارتكبها بعضهم عن قصد، وجرائم اقترفها البعض الآخر دون قصد، وفى مقدمتها الأزمة الليبية التى تستعد للانفجار فى وجه الجميع.

 

وتعد ليبيا وما آلت إليه أوضاعها بعد ثورات الربيع العربى نتاجاً حياً لجرائم الغرب وأخطاء من يشاركونا مياه البحر المتوسط وفى مقدمتهم تركيا وإيطاليا. وإذا كانت الأولى تحمل أجندة مفهومة للعامة وحرضت على الإرهاب ـ ولا تزال ـ ومولت عناصره وتستمر فى ذلك، وتكفل لرموزه الدعم والملاذ الآمن، فإن موقف روما يظل فى حاجة إلى وقفة، ففى هذا البلد الأوروبى نظام حكم عليه أن يدرك بطبيعة الجغرافيا وبأحكام ومعايير الأمن القومى أن ليبيا موحدة تعنى إيطاليا مستقرة، وأن ليبيا مزدهرة تعادل تراجعاً لموجات المهاجرين غير الشرعيين.

 

الجذور الاستعمارية للعلاقات الإيطالية ـ الليبية لا يمكن استبعادها فى محاولات الفهم للموقف الإيطالى الحالى، فبعد عهد الاستعمار العسكرى، تحاول إيطاليا تأمين تواجدها الاقتصادى داخل ذلك البلد العربى الأفريقى المطل على شاطئ البحر والمتمتع بثروات نفطية كفيلة بتغيير خريطة الطاقة فى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن اليمين واليمين المتطرف اللذين يحكمان مؤسسات الدولة داخل روما عليهما إدراك أن العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع المؤسسات أفضل وأبقي وأكثر استقراراً من التحالفات المشبوهة التى يتم إبرامها مع المليشيات وأمراء الحروب من وراء الستار.

 

تنحاز روما ـ حتى كتابة هذه السطور ـ إلى معسكر فائز السراج رئيس حكومة الوفاق، والذى يقود الدولة الليبية إلى سيناريوهات السقوط فى آسر المليشيات والأذرع الممتدة لجماعة الإخوان ورعاتها الإقليميين ـ قطر وتركيا ـ إلا أنها لا توصد أبوابها بشكل كامل فى وجه المعسكر الآخر الذى يقوده خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبي الذى يخوض حالياً معركة مصيرية فى مواجهة الإرهاب.

 

وما بين الانحياز الغير كامل للمعسكر الخطأ، والانفتاح الغير كاف على من يحملون مبادرات الحل الحقيقية لأزمة ليبيا، تظل روما فى حاجة إلى فهم المعادلة المصرية للخروج من هذه الأزمة التى تطال تبعاتها الأمن القومى المصرى والإيطالى على حد سواء، وهو ما جاء واضحاً فى الاتصال الذى أجراه جوزيبى كونتى رئيس الوزراء الإيطالى مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والذى أكد خلاله الرئيس ضرورة تضافر كافة الجهود الدولية لحماية وحدة الأراضى الليبية ودعم مؤسساتها الوطنية والوصول إلى تسوية سياسية تحترم إرادة الشعب الليبيى ورغبته فى الاستقرار والقضاء على الإرهاب.

 

تحتاج مؤسسات الدولة الإيطالية إلى مراجعة شاملة لتقديراتها وشبكة اتصالاتها مع أطراف الأزمة الليبية، وقبل ذلك كله تأمل خريطة تعامل المجتمع الدولى مع تلك الأطراف، وكيف بدأت الإدارة الأمريكية نفسها بالإقدام علي تلك المراجعة من خلال الاتصال الهاتفى الذى أجراه الرئيس دونالد ترامب مع قائد الجيش الوطنى الليبي خليفة حفتر، وهو الاتصال الذى دفع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للإعلان الصريح عن انحيازه لمعسكر فائز السراج .. تحتاج إيطاليا أن تختار بدقة إلى أى معسكر تنتمى، وإلى أى جبهة تنحاز، وأن تقدم ـ بوعي ـ مصالحها الخاصة على ما سواها، وأن تبحث بدقة عن أى معسكر يحقق تلك المصالح.

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة