نرشح لك فى رمضان .. الإمتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدى حكاية عصر

الخميس، 14 أبريل 2022 07:00 ص
نرشح لك فى رمضان .. الإمتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدى حكاية عصر الإمتاع والمؤانسة
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نرشح لك فى رمضان واحدا من أبرز كتب التراث هو "الإمتاع والمؤانسة" لأبى حيان التوحيدى، وقد حقق الكتاب شهرة كبيرة  وذلك لما يقدمه عن الحياة فى القرن الرابع الهجري، وهو الزمن الذي عاش فيه التوحيدى.

وعن الكتاب قال عنه أحمد أمين:

أبو حيان التوحيدي من أولئك العلماء الأدباء الذين أُصيبوا في حياتهم بالبؤس والشقاء، وظل حياته يجاهد ويكافح في التأليف واحتراف الوراقة والنسخ وجوْب الأقطار، يقصد الأمراء والوزراء لعلهم يكافئون علمه وأدبه، فلم يحظَ من كل ذلك بطائل، وعاش كما يقول في بعض كتبه على نحو أربعين درهمًا في الشهر، أي ما يساوي جنيهًا واحدًا، مع أنه كما يقول رأى كل من حوله من العلماء والشعراء يحظون من الأمراء بالمال الكثير والحظ الوافر، وليس أكثرهم يدانيه علمًا أو يجاريه أدبًا. 
قصد ابن العميد وابن عباد وابن شاهويه وابن سعدان وأبا الوفاء المهندس وغيرهم. ومدح وأطرى، وبكى واشتكى، وهدد وأوعد، فما نفعه مدحه ولا ذمه، ولا إطراؤه ولا هجاؤه، فإن استفاد شيء مما عاناه أبو حيان فإنما هو الأدب بما كتب وألف، وبما هجا واستعطف.
 
ولم يكن حظه بعد وفاته بأحسن من حظه في حياته، فقد عجب ياقوت من أن مؤرخي الرجال لم يترجموا له مع أنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ولم نعثر فيما بين أيدينا من الكتب على ترجمة وافية لحياته إلا نُتفًا قصيرة وأخبارًا ضئيلة.
 
وأراد هو أن ينتقم من الناس الذين كفروا صنيعه وجحدوا علمه وأدبه، فأحرق في آخر أيامه كتبه وقال: "إني جمعت أكثرها للناس ولطلب المثالة منهم، ولعقد الرياسة بينهم، ولمد الجاه عندهم، فحُرمتُ ذلك كله … ولقد اضطُرِرت بينهم بعد العشرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق، وإلى ما لا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحبه الألم".
وصف الكتاب
قال القفطي في وصفه "وهو كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة في فنون العلم، فإنه خاض كل بحر وغاص كل لجة، وما أحسن ما رأيته على ظهر نسخة من كتاب الإمتاع بخط بعض أهل جزيرة صقلية وهو: ابتدأ أبو حيان كتابه صوفيًّا وتوسَّطه محدِّثًا وختمه سائلًا ملحفًا".
قسَّم أبو حيان كتابه إلى ليالٍ، فكان يدوِّن في كل ليلة ما دار فيها بينه وبين الوزير على طريقة قال لي وسألني وقلت له وأجبته. وكان الذي يقترح الموضوع دائمًا هو الوزير، وأبو حيان يجيب عما اقترح. وكان الوزير يقترح أولًا موضوعًا حسبما اتفق وينتظر الإجابة، فإذا أجاب أبو حيان أثارت إجابته أفكارًا ومسائل عند الوزير فيستطرد إليها ويسأله عنها، فقد يسأله سؤالًا يأتي في أثناء الإجابة عنه ذكر لابن عباد أو ابن العميد أو أبي سليمان المنطقي، فيسأله الوزير عنهم وعن رأيه فيهم. وهكذا يستطرد من باب لباب، حتى إذا انتهى المجلس كان الوزير يسأله غالبًا أن يأتيه بطرفة من الطرائف يسميها غالبًا "ملحة الوداع"، فيقول الوزير مثلًا: إن الليل قد دنا من فجره، هات ملحة الوداع. وهذه الملحة تكون عادة نادرة لطيفة أو أبياتًا رقيقة، وأحيانًا يقترح الوزير أن تكون ملحة الوداع شِعرًا بدويًّا يشم منه رائحة الشيح والقيصوم وهكذا.
 
وأحيانًا يكلفه الوزير أن يتم له المسألة المعروضة في رسالة، فقد سأله مرة عن المصادر التي تجيء على وزن تفعال، فأجابه أبو حيان عن بعضها ثم طلب منه الوزير أن يجمع له ما جاء في اللغة منها.
 
وأحيانًا يتخذ الكلام شكل حوار، فأبو حيان مثلًا يروي عن ديوجانيس أنه سُئِل: متى تطيب الدنيا؟ فقال: "إذا تفلسف ملوكها وملك فلاسفتها" فلم يرضَ الوزير عن هذا، وقال: إن الفلسفة لا تصح إلا لمن رفض الدنيا وفرَّغ نفسه للدار الآخرة، فكيف يكون الملك رافضًا للدنيا وقاليًا لها وهو محتاج إلى سياسة أهلها والقيام عليها باجتلاب مصالحها ونفي مفاسدها؟! وأطال في ذلك. وفي كثير من الأحيان يعلق الوزير على إجابة أبي حيان بالاستحسان أو الاستهجان مع ذكر أسباب ذلك.
 
وأحيانًا يطلب إليه الوزير أن يحضِّر له رسالة في موضوع، ثم يتلوها عليه في جلسة مقبلة كما فعل مرة، إذ كلفه أن يكتب له في المجون والمُلَح، ففعل أبو حيان وقرأها عليه في مجلس، قال أبو حيان: "فلما قرأتها على الوزير قال: ما علمت أن مثل هذا الحجم يحوي هذه الوصايا والمُلَح".
 
وآونة يثير الوزير مسائل أشكلت عليه في اللغة والفلسفة والاجتماع، يعرضها على أبي حيان ويطلب منه الجواب فيفعل.
 
ويحدث أحيانًا أن الوزير يدفع لأبي حيان برقعة فيها أسئلة يطلب إليه أن يفكر في الإجابة عنها، ويتصل بغيره من العلماء ليأخذ رأيهم فيها، كما حدث مرة أنه دفع إليه رقعة بخطه فيها مطالب، وقال: باحث عنها أبا سليمان وأبا الخير ومَن تعلَم أن في محاورته فائدة. وكان في الرقعة أسئلة منها عن الروح وصفته ومنفعته، وما المانع أن تكون النفس جسمًا أو عرضًا أو هباء؟ وهل تبقى؟ وإن كانت تبقى فهل هي تعلم ما كان الإنسان فيه ها هنا … إلخ؟ ويقول الوزير في آخر هذه الرقعة: "إن هذا وما أشبهه شاغل لقلبي وجاثم في صدري ومعترض بين نفسي وفكري، وما أحب أن أبوح به لكل أحد". ويأمره بأن يكتم خطه، فإن أراد أن يعرض هذه المسائل مكتوبة على أبي سليمان فلينسخها بخطه هو، ثم سأل أبو حيان أبا سليمان وذكر إجابته عنها ونقلها إلى الوزير. وعلى هذا النمط يجري تأليف الكتاب.
 
وموضوعات الكتاب متنوعة تنوعًا ظريفًا لا تخضع لترتيب ولا تبويب، إنما تخضع لخطرات العقل وطيران الخيال وشجون الحديث، حتى لنجد في الكتاب مسائل من كل علم وفنٍّ، فأدب وفلسفة وحيوان ومجون وأخلاق وطبيعة وبلاغة وتفسير وحديث وغناء ولغة وسياسة وتحليل شخصيات لفلاسفة العصر وأدبائه وعلمائه وتصوير للعادات وأحاديث المجالس، وغير ذلك مما يطول شرحه.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة