دندراوى الهوارى

الأهرامات وقناة السويس والسد العالى.. أليست مشروعات قومية عصب اقتصاد مصر حاليا؟!

السبت، 09 ديسمبر 2023 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية - وكعادتنا، فى تأصيل الأحداث، وإخضاعها لميزان العقل، وأدوات المنطق، وتفكيك وربط الوقائع التاريخية وفق كتالوج لم يترك شاردة أو واردة فى أزمة أو حدث مهما كان حجمه، إلا وتعامل معها - نذهب للمعتقد الجوهرى عند المصرى القديم، منذ بدء الخليقة، وهو سيطرة مفهوم وعقيدة البناء، على جوهر حضارته وثقافته، ولجأ لهذا البناء ليكون نقطة انطلاق حقيقية نحو الخلود ليس فى الدنيا فحسب، لكن إلى العالم الآخر، مع شغفه الشديد فى «التعمير» والبحث دائما عن العلم والتقدم والازدهار لخدمة مفهومه وعقيدته نحو البناء.
 
العالم كان من حول المصريين، متحركا وغير ثابت، وانقرض مفهوم البناء والثبات وإقامة مجتمعات منظمة عمرانية من قاموس حياتهم، بعكس المصريين الذين رسخوا البناء كعقيدة أساسية فى حضارتهم، من أجل الاستدامة والخلود، فبرعوا فى فنون العمارة والهندسة، وصار بناء الأهرامات - على سبيل المثال - إعجازا يقف العلم الحديث والمعاصر عاجزا حائرا عن فك طلاسمه، مزهوا بعبقرية البَنّاء والمهندس المصرى.
 
وصار البِناء الهرمى، مشروعا قوميا عظيما، تحدى المصرى القديم نفسه فى بنائه وتطويره ما بين هرم زوسر المدرج، ثم هرم ميدوم، مرورا بالأهرامات الثلاث المتكاملة فى منطقة الجيزة، وهو المشروع الذى لم يعبر عن عبقرية بنائية وهندسية مصرية فحسب، ولكن كان مشروعا معبرا عن قدرة الإنسان المصرى فى تطويع الطبيعة وظروفها القاسية، والتحدى والمثابرة ليقف العلم حاليا عاجزا عن حل معضلة كيف تم بناء الأهرامات، وتعددت النظريات، وكل نظرية تدحض الأخرى، ليظل بناء الأهرامات لغزا مع مرور آلاف السنين.
 
الأهرامات، مشروع قومى عظيم، ساهم فى خلق مجتمع عمرانى منظم، وحياة معبقة بالتعاون والخلود والتعبد ونشر الروح الدينية، فصارت عجيبة الدنيا، وقبلة العالم لزيارتها، والهوس بتفرد بنائها، وعبقرية وإعجاز فى تشييد غرفها ودهاليزها الداخلية، وأسرار تتجاور مع اللوغاريتمات وتُعجز العقول والعلم فى حلها.
 
لن نتحدث عن حجم الأعمال، وعدد السنين الذى استغرقها بناء الأهرامات، وكم العمالة، ووجه الإنفاق، حينها، فربما الأرقام لا تزعجك بلغتها الآن، بينما يمكن أن تزعج قلبك بلغتها حينها، لكن وبعد مرور السنين، صار المشروع علامة فارقة فى تاريخ أمة تزهو وتفخر به، أمام شعوب الدنيا، ويُلبسها ثوب العراقة والأصالة والقدرة، ويذكرها بتاريخ ناصع، أصالته مستمرة إلى أن يرث الله الأرض، فهل كان يتوقع يوما أن من خطط ومن نفذ بناء الأهرامات، أن يكون هذا «البناء» معجزة وتحديا للعقول، وفاتنا للقلوب؟ وهل أدرك منتقدوه حينها أنه سيحقق جدوى اقتصادية واجتماعية عظيمة ومستمرة إلى حين؟!
 
بحسابات الجماعات والتنظيمات من أصحاب نضال البذاءة، وجهاد السباب والسفالة وقلة الأدب خلف الكيبورد، فإن مشروع بناء الأهرامات «فنكوش» وغير ذى جدوى، وأنه يفتقد فقه الأولويات، وإهدار مال عام؛ ويبدأون إشعال نار الأسئلة السامة والمشككة والمسخفة، حول المشروع!
 
الأمر ينصرف إلى حفر قناة السويس، وهى فى تاريخ حديث، وكُتبت عنها مراجع ومجلدات وليست كتبا وشهادات، والجميع يعلم تاريخ حفرها، وكم عامل شارك فى عمليات الحفر، منهم من مات أثناء العمل، وكم تكلفت أعمال حفرها؟ ومن نقطة السؤال الجوهرى حول تكلفة القناة، يمكن الانطلاق منها إلى توصيف المشهد المحيط بالمشروعات القومية الكبرى التى تُدشن فى مصر حاليا.
 
قيل ما قيل فى تكلفة حفر قناة السويس، ما يفوق ما سردته بعض الأساطير، وإذا ما اعتبرنا جزءا كبيرا منها حقيقيا على سبيل الافتراض، وكم مصر حينها اقترضت لتنفيذ المشروع، فإن بعد عقود من الزمن، لا بد أن نتحدث عن النتائج العظيمة للمشروع.
 
قناة السويس صارت أهم رافد للدخل القومى من العملة الصعبة، ورقما صحيحا فى معادلة حركة التجارة الدولية، ناهيك عما أحدثته من تنمية شاملة وتغيير لوجه الحياة فى مدن القناة، فهل نملك إلا أن نرفع القبعة للذين نفذوا المشروع، والذى صار واحدا أيضا من اعتزاز وافتخار المصريين به؟ وتأكيدا على امتداد وتجذر ثقافة البناء والحفر والتعمير فى عقيدة المصريين منذ بزوغ الكون حتى حينه؟ 
 
ونذهب للسد العالى، وهو مشروع قومى عظيم الأثر، غير من وجه الخريطة الزراعية، ونوّعها وأثراها، والأهم أنقذ - وما زال - مصر من مغبة الجفاف والعطش منذ بنائه، وبالنظر لجدوى المشروع، هل هناك مشكك فى جدواه العظيمة!
 
نماذج ثلاثة من بين الآلاف من المشروعات القومية الكبرى منذ فجر التاريخ، غيرت وجه الحياة فى مصر وساهمت فى استمرار ونبض حضارتها وثقافتها القائمة على عقيدة ومفهوم البناء، للحياة الدنيا، وللتعبد، وللموت، فلا فارق بين القصر والمعبد والمقبرة.
 
الشاهد من السرد، أن المشروعات العظيمة التى تجرى على كل شبر فى مصر حاليا، ستُلحق مصر بركب الدول المتقدمة، وتعيد مجدها وبريقها، وأن المشككين وأصحاب نظرية «النظر تحت الأقدام» سيرد عليهم الزمن، ومكر التاريخ عندما ينصف - وبأحرف من نور - ما يجرى من مشروعات وبناء وإعمار فاق ما سبق، ويعيد الحقوق لأصحابها، مثلما أعاد حق بناء الأهرامات، وحفر قناة السويس، وبناء السد العالى، ولصاحب قرار الحرب والسلام.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة