دندراوى الهوارى

مصر تقتحم اقتصاد الممرات الاستراتيجية الآمنة

الجمعة، 30 يونيو 2023 01:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الملك ساحورع، ثانى ملوك الأسرة الفرعونية الخامسة، شيد أسطولا بحريا عظيما، ليضع مصر على قائمة أول دولة بحرية فى التاريخ.. وهو مسجل نصا على لوح حجرى عثر عليه فى هرم الملك «ساحورع» الكائن فى منطقة أبوصير، مرسوم عليه 4 سفن عظيمة ممتلئة بالأسرى الفينيقيين، يحيطهم بحارة مصريون، وتعود لسنة 2750 قبل الميلاد، وهى الرسوم البحرية التى وجدت وتعد الأقدم فى التاريخ.

 
كما أثبتت آثار هذا الملك، أنه أول من أسس لحركة النقل البحرى حتى بلاد بونت «الصومال حاليا» مباشرة، وعندما قرر الملك سنوسرت الثالث أحد أعظم ملوك الأسرة الثانية عشر، حفر قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر بواسطة النيل، كانت فكرة جريئة وغريبة، فى ذاك الزمن البعيد «1850» قبل الميلاد، إلا أن الملك كان يدرك أهمية شق القنوات وتدشين الممرات لزيادة الحركة التجارية وسهولة التنقل والتواصل مع الشعوب القديمة الأخرى فى آسيا وأفريقيا، مثل بلاد بونت «الصومال حاليا» وعدد من جزر البحر الأبيض المتوسط مثل «كريت وقبرص».  
 
هذه المقدمة التاريخية ضرورية، للتدليل والتأكيد على أن الاهتمام بتطوير الممرات الاستراتيجية الآمنة، سواء برية بإنشاء الطرق، أو جوية من خلال تدشين وتطوير المطارات المختلفة، أو بحرية بشق القنوات وتدشين الموانئ وامتلاك سفن عملاقة، وذلك لزيادة حركة التجارة، يعود للعصور التاريخية، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن التاريخ ليس مجرد أحداث وقصص تحكى عن الماضى، ولكن عبرة مهمة للحاضر والمستقبل.
 
واستمرت مصر لفترة طويلة تهمل ملف الممرات الاستراتيجية حتى عاد الاهتمام بها فى عصر محمد على، ثم ابنه إسماعيل الذى حفر أهم ممر مائى عالمى وهو قناة السويس، التى صارت من بين أهم 8 ممرات بحرية فى العالم.. بعدها دخلت مصر فى سبات عميق، عقودا طويلة، تخلفت فيها عن ركب التقدم والتطور فى مختلف المجالات، وفى القلب منها الممرات الاستراتيجية، مائية كانت أو جوية وبرية، وترهلت الطرق، وصار السفر وحركة التنقل داخليا صعبة وعسيرة، ومجهدة ومكلفة، فى الوقت الذى انطلق فيه ركب الصراع للحصول على كعكة حركة التجارة، والتنقل عبر الممرات الاستراتيجية، سريعا وساخنا وصاخبا بين القوى الكبرى، كما أدركت بعض الدول فى الإقليم، أهمية اقتصاد الممرات الاستراتيجية، وأوجدت لنفسها فيه موطئ قدم.
 
وجاءت دولة 30 يونيو، بأفكار وخطط إنقاذ، رغم التحديات الجسيمة، التى كانت تواجه مصر طيلة عقود، وتزايدت عقب اندلاع حراك 25 يناير 2011، والتى هزت الأمن القومى المصرى والعربى، بعنف، لكن دولة 30 يونيو ونظامها، تميزت بالإرادة السياسية الفولاذية فى اتخاذ القرارات الصعبة، ومواجهة التحديات والتدخل للعلاج الفعال، مع إيقاف استخدام المسكنات التى أرهقت وعرضت جسد الأمة لمخاطر جسيمة.
 
البداية كانت خطة شق قناة سويس جديدة، لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول: أن تكون القناة الجديدة شريانا داعما للشريان القديم تبث فيه الحيوية، والمرونة وتساعد فى زيادة حركة عبور السفن.. والثانى: لفت الأنظار إلى أن الأمة المصرية قوية ومتماسكة، وخرجت من حالة الغيبوبة المميتة، بفعل إجرام التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لاختطاف البلاد، وبالفعل أيقظ مشروع قناة السويس الجديدة، روح الحماس، ورفع منسوب الأمل وحب الوطن إلى أعلى المستويات.
 
دولة 30 يونيو شمرت عن ساعديها، وقررت أن تواجه كل التحديات الصعبة، ومن بينها اللحاق بركب اقتصاد الممرات الاستراتيجية الآمنة، بحرا وجوا وبرا، لما يدره هذا الاقتصاد من أرباح بالمليارات، باعتباره عصب حركة التجارة الدولية، مع الحفاظ على أهمية قناة السويس كشريان مائى دولى مهم، فى ظل ما يتردد من محاولات المنافسة الشرسة، وذلك بتدشين مشروعات موازية تؤثر تأثيرا بالغا على أهمية وجدوى قناة السويس الاقتصادية والاستراتيجية، لذلك أدركت دولة 30 يونيو هذه المخاطر مبكرا، وبدأت الاهتمام بالممرات الاستراتيجية الداعمة للقناة من ناحية، ولأهمية اقتحام هذا النوع من الاقتصاد المربح من ناحية ثانية، وبدأت بالممرات البرية من خلال إنشاء الطرق والكبارى وشق الأنفاق، ونجحت فى الانتهاء من تدشين 7 آلاف كيلومتر، وجار تنفيذ 1200 كيلومتر.. ثم الاهتمام بالممرات البحرية بإنشاء قناة سويس جديدة، وتدشين وتطوير الموانئ، والتى وصل عددها حتى الآن إلى 55 ميناءً، مختلفة الأغراض، بجانب تدشين وتطوير المطارات.
 
هذه الممرات الاستراتيجية، والتى نالت تسفيها وتسخيفا من كتائب التشكيك التى تقودها تنظيمات وجماعات تعمل ليل نهار على هدم الدولة المصرية، ستجعل مصر مركزا للتجارة العالمية واللوجستيات، ويربط بين دول العالم فى قاراته المختلفة نظرا لموقعها الجغرافى المتميز، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن مصر يمر من خلالها نحو 20 % من حركة التجارة والبضائع العالمية، وبعد الانتهاء من مشروعات تدشين وتطوير شبكة الممرات الاستراتيجية، ستزداد هذه النسبة  لتحقق رقما كبيرا يدر المليارات للمساهمة فى ازدهار البلاد.. والأخبار الواردة تؤكد نجاح مصر فى إبرام عدد من الاتفاقيات التجارية مع بعض الدول، لتصبح مصر ممرا تجاريا كبيرا.
 
القطار-السريع
 
القطار السريع - على سبيل المثال - مرحلته الأولى ستربط موانئ البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، من العلمين للعين السخنة مرورا بالعاصمة الإدارية، ثم المرحلة الثانية تبدأ من مدينة 6 أكتوبر حتى أسوان بطول يقترب من 1000 كيلومتر، ثم المرحلة الثالثة من سيناء إلى مدن القناة مرورا بالعين السخنة والعاصمة الإدارية، ثم أسطول قطارات سكك حديدية لنقل البضائع، وتطوير الموانئ وتدشين مناطق لوجستية، لتخزين البضائع.
 
هذه المشروعات الضخمة تنفذها شركات عالمية، بالشراكة، وستدر أرباحا ضخمة، إذ تؤكد أرقام كعكة اقتصاد الممرات الاستراتيجية سنويا على مستوى العالم أنها لا تقل عن 4 تريليونات دولار، وهو رقم تقريبى كحد أدنى، بينما خبراء يرون أن الرقم أضعاف أضعاف هذا الرقم، ما يؤكد ضخامة هذا الاقتصاد الحيوى، الذى اقتحمته مصر، للحاق بركابه، وهنا تبرز أهمية شبكات الطرق والكبارى، والقطار السريع والنقل النهرى، والتطوير الشامل لأسطول النقل البرى، السريع والحديث والقادر على أن يكون رقما فاعلا وجوهريا فى حركة التجارة الدولية.
 
وبجانب هذه الجدوى الاقتصادية الجوهرية، فإن شبكة النقل الحديثة قفزت بمصر 90 مركزا، لتقترب من ترتيب الـ20 الأفضل فى جودة الطرق عالميا، أيضا هذه الاستراتيجية القائمة على التخطيط العلمى والاحترافى، ربطت المناطق السياحية والتجارية والصناعية بالموانئ والمطارات ومحطات النقل البرى، والمناطق اللوجستية، فى عملية تنقل سريعة وحديثة وبانسيابية، ما يعد إنجازا عظيما، وعائداته وجدواه الاقتصادية ضخمة، لتكون بحق قاطرة التنمية للاقتصاد القومى.
 
السيسى-بالزى-العسكرى-فى-افتتاح-قناة-السويس-على-المحروسة-فرنسيه-(4)
 
مشروع الممرات الاستراتيجية الآمنة، هو من أهم وأبرز المشروعات القومية، والتى قاربت على الانتهاء، بل وجزء ضخم منه دخل الخدمة، وهناك أسطول سكك حديدية على أبواب الدخول، للبدء فى العمل وجنى الثمار.
 
نعم يدرك الجميع أن تكلفة مشروعات الطرق والكبارى وسكك حديد القطارات السريعة، وإنشاء وتطوير الموانئ والمطارات، باهظة، ولكن جدواها الاقتصادية والخدمية عظيمة، وإنجاز تاريخى ستترنم به الأجيال المقبلة، مثلما ترنمت الأجيال المتعاقبة بحفر قناة السويس، والأجيال الحالية تزهو وتتفاخر بالقناة، والتى صارت من أهم موارد إدخال العملة الصعبة للبلاد.
 
هذا من ناحية الجدوى الاقتصادية للمرات الاستراتيجية الآمنة، لكن هناك جدوى أكثر أهمية تتمثل فى الجدوى العسكرية، لأن الممرات الاستراتيجية مصدر قوى وجوهرى للأمن الاستراتيجى للدولة المصرية، حيث تمكنها من تشديد القبضة لتأمين حدودها وتأمين التحرك السلس والسريع للقوات والإمدادات العسكرية والمدنية، وتوفير الحماية للمناطق والمواقع الحيوية مثل الموانئ البحرية والمطارات والمدن والمناطق الصناعية والزراعية، كما أنها تسهل عمليات التحرك والتعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية مثل السيول والزلازل بسرعة وسهولة.
 
أيضا تنعكس أهمية الممرات الاستراتيجية إيجابيا على المواطن المصرى، فى قدرته على الحركة وسهولة التنقل بأمان من أقصى البلاد إلى أقصاها، والحفاظ على مركبته بحالة جيدة.
 
إن دولة 30 يونيو ونظامها السياسى، الذى يأتى على رأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى، يعمل وفق استراتيجية علمية وعملية تمس الواقع وتبتعد عن الخيال، وتعى حجم التحديات، رافعة شعار «الصبر الاستراتيجى»، والبعد عن الضجيج، للنهوض بمصر ودفعها لمصاف الدول القوية والعفية اقتصاديا وعسكريا.
 
 
p.2

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة