زين العابدين خيرى

«عتبات» الفخرانى التى أنتظرها من أجل «البهجة»

الثلاثاء، 27 فبراير 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقعت فى غرام يحيى الفخرانى منذ شاهدته للمرة الأولى فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرا» قبل 45 عاما، وكنت وقتها لم أبلغ عمر المدرسة، ورغم السن المبكرة، فإننى تعلقت كثيرا بالمسلسل، أولا للجاذبية الشديدة التى تتمتع بها أغنية التتر «بابا.. بابا عبده»، والتى لا بد أن تعلق بأذنك وذاكرتك بمجرد سماعها لأول مرة، وهذا طبيعى حين نعلم أنها كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعى، وثانيا لتعاطفى الشديد مع بابا عبده/ عبدالمنعم مدبولى، لما يتعرض له من جحود أبنائه الذين قدموا أدوارهم بإقناع شديد، الكبيران صلاح السعدنى وفاروق الفيشاوى، بجانب الفخرانى.
 
بالطبع كرهت الثلاثة وقتها لكن بدرجات مختلفة، الفيشاوى كان الأعلى فى مؤشر الكره، لارتباطه بعد ذلك فى طفولتى أيضا بدوره الشرير المستفز فى مسلسل «ليلة القبض على فاطمة»، والأقل كان السعدنى لأننى أحببت جانب المثقف فى الشخصية التى يؤديها، أما الفخرانى فقد وقفت ملامحه الطيبة حائط صد منعنى من التمادى فى كراهيته، ثم شفعت أدواره الأخرى، خصوصا الكوميدية منها.
 
ومع زيادة عمرى ووعيى واقترابى أكثر من عالم الفن، زاد حبى وتعلقى بالفخرانى، وكان يكفينى اسمه على أى عمل فنى لأعرف أننى سأشاهد عملا فى الحد الأدنى من القيمة الفنية التى أرجوها، ولم يخب رهانى عليه إلا فيما ندر، وفيما يدخل تحت باب تباين الآراء والأذواق.
 
ربما طالت المقدمة، لكننى أراها تمهيدا ضروريا يفسر انتظارى بلهفة لأن أرى الفخرانى فى رمضان المقبل، يأخذ بأيدينا لنصعد معا «عتبات البهجة»، ولكن قبلها دعونا نسترجع عتبات بهجة الفخرانى وأسباب تميزه طوال تاريخه.
 
العتبة الأولى، ظهر فى فترة كانت الوسامة الشكلية بمواصفاتها التقليدية من المقومات الرئيسية للنجومية والنجاح، خصوصا فى السينما، فقد ظهر فى وقت كان يتربع فيه على عرش النجومية حسين فهمى ومحمود ياسين ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز ومصطفى فهمى، ولذا كان عليه أن يبذل مجهودا مضاعفا هو وموهوبو جيله من غير أصحاب المواصفات القياسية كأحمد زكى وصلاح السعدنى، ليثبتوا أنهم قادرون على تصدر أفيشات وتترات الأفلام والمسلسلات.
العتبة الثانية، رغم موهبته الكوميدية الكبيرة فإنه لم يستسلم أبدا لإغراء النجاح فى عالم الكوميديا اعتمادا على مواصفاته الشكلية، ككثيرين غيره، بل أصر على كونه ممثلا أولا يقدم كل الأدوار، ومنها الكوميديا بالطبع، ونجح فيها باقتدار، وإن ظلت خفة دمه تغلف كل أدواره بلمسة كوميدية محببة.
 
العتبة الثالثة، لم يهجر الفخرانى التليفزيون فى أى مرحلة من حياته، وظل مخلصا لدراما التليفزيون حتى فى عز نجاحاته فى السينما، على عكس كثيرين من أبناء جيله كانوا يتعاملون مع المسلسلات التليفزيونية باعتبارها «تحرق الممثل»، ولكنه أثبت خطأهم وظل ينجح على الشاشتين الكبيرة والصغيرة دون أن يقل شغف جمهوره بأى درجة، بل استمر الشوق فى ازدياد عاما بعد عام، مع التعود على وجوده كأحد فرسان الدراما الرمضانية سنويا، فإن غاب عاما تضاعف الشوق لعودته، وكلما عاد كان أكثر ألقا.
 
أما من قللوا من قيمة التليفزيون، فقد لجأوا إليه مضطرين مع تصاعد أزمة السينما فى منتصف التسعينيات، وقتها ترك الفخرانى السينما أيضا إلى غير رجعة بعد فيلمه المهم «مبروك وبلبل» 1998، ولكنه لم يكن يأبه لذلك فقد كان ملكا متوجا على عرش الدراما التليفزيونية، وما زال على القمة منذ 45 عاما حتى الآن، بأعمال مثل «أبنائى الأعزاء شكرا، صيام صيام، وأدرك شهريار الصباح، ليالى الحلمية بأجزائه الخمسة، نصف ربيع الآخر، ألف ليلة وليلة، زيزينيا بجزأيه، أوبرا عايدة، للعدالة وجوه كثيرة، جحا المصرى، الليل وآخره، عباس الأبيض، سكة الهلالى، يتربى فى عزو، شرف فتح الباب، شيخ العرب همام، الخواجة عبدالقادر، دهشة، ونوس، بالحجم العائلى، نجيب زاهى زركش».
 
العتبة الرابعة، بالرغم من عدد الأفلام القليل نسبيا الذى قدمها مقارنة بالمسلسلات التليفزيونية، فإن هذه القلة تدل على مدى التزام الفخرانى بالمعايير الصارمة التى طبقها عند اختياره للأعمال، ويكفينى هنا أن أذكر أفلاما مثل «الغيرة القاتلة، حب فى الزنزانة، خرج ولم يعد، الكيف، إعدام ميت، للحب قصة أخيرة، عودة مواطن، محاكمة على بابا، أنا وأنت وساعات السفر، الذل، الحب فى الثلاجة، أرض الأحلام، مبروك وبلبل».
 
العتبة الخامسة، قليلون هم الممثلون الذين تظهر ثقافتهم الواسعة فى أدائهم لشخصياتهم المختلفة دون أى ادعاء أو تقعر، هؤلاء المؤمنون بأن ثقافة الممثل التى يكتسبها من قراءاته فى كل المجالات هى من أهم أنواع الزاد الذى يجب أن يتزود به الممثل الموهوب، ومن هؤلاء يحيى الفخرانى.
 
العتبة السادسة، ظل الفخرانى مخلصا لخشبة المسرح التى بدأ من عليها حبه للفن، حيث كان طالبا بكلية الطب جامعة عين شمس أوائل سبعينيات القرن العشرين، ومن وقتها لم تطل غيبته أبدا عن الخشبة، التى أعتبرها رافدا مهما أيضا من الروافد التى يحتاجها الممثل فى رحلته، والأهم فى مسيرة الفخرانى الطويلة مع المسرح أنه لم يسقط أبدا فى فخ المسرح التجارى بمعناه المبتذل الرخيص، بل ظل كما فى كل اختياراته بالسينما والتليفزيون راقيا، وسأذكر هنا مجرد نماذج من المسرحيات المهمة التى قدمها «بكالوريوس فى حكم الشعوب، راقصة قطاع عام، البهلوان، جوازة طليانى، الملك لير، ليلة من ألف ليلة، ياما فى الجراب يا حاوى».
 
العتبة السابعة، لم يقع الفخرانى طوال حياته أسيرا للتنميط، بل ظل محافظا على التنويع فى الأدوار التى يقدمها، غير عابئ بإغراءات النجاح الذى فى شكل معين، ويكفينى أن أذكر هنا قليلا من أسماء الشخصيات التى قدمها فى السينما والتليفزيون والمسرح، لنرى كم التنوع ومساحة الاختلاف الواسعة بينها، التى تخبرنا بمدى اتساع قماشة الموهبة التى يتمتع بها الفخرانى «ونوس، نادر التركى، الباسل حمد الباشا، شيخ العرب همام، الخواجة عبدالقادر، شرف فتح الباب، حمادة عزو، مصطفى الهلالى، عباس الدميرى، رحيم المنشاوى، جحا، لير، جابر مأمون نصار، بشر عامر عبدالظاهر، ربيع الحسينى، سليم البدرى، عبدالمتعال محجوب، رؤوف الساحر، أبوجودة، د. صلاح أبوالعزم».
 
عتبات أخرى للبهجة
رغم كل ما سبق بخصوص الفخرانى، فإنه ليس فقط ما يدفعنى لانتظار «عتبات البهجة» فى رمضان، بل إن العمل مقتبس من رواية الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد التى تحمل الاسم نفسه، وهى من أجمل رواياته وأخفها دما، وأتشوق لرؤية كيف قام السيناريست والشاعر الكبير مدحت العدل بترجمتها تليفزيونيا.
من مسببات البهجة مقدما كذلك عودة المخرج الكبير مجدى أبوعميرة للتعاون مع يحيى الفخرانى بعد 17 عاما من عملهما الأيقونى «يتربى فى عزه» الذى ما زال يحقق البهجة فى كل إعادة لعرضه، وأتمنى حقا أن يعيد «عتبات البهجة» إلينا تلك البهجة المفقودة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة