عادل السنهورى

وداعا.. الأمير الزاهد

الإثنين، 18 ديسمبر 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يمهل القدر الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الراحل، والذي وافته المنية يوم السبت الماضي، كثيرا لتحقيق تطلعات وأحلام وأمال الشعب الكويتي الشقيق في الاستقرار والهدوء والمصالحة السياسية والاجتماعيةـ فقد كانت فترة تولية إمارة البلاد في نهاية سبتمبر 2020 وحتى وفاته فترة قصيرة لم تتجاوز أكثر من 3 سنوات وشهور قليلة تمنى الشعب الكويتي أن يمتد به العمر لتحقيق مشروع النهضة الجديد للدولة، والخروج بها من أزمات وموروثات الماضي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

بقدر الإخلاص والتفاني والعطاء والإنجاز في خدمة دولته وأمته طوال أكثر من 60 عاما جاء حزن شعبه والشعوب المحبة لدولته على رحيله كبيرا، فقد كان أحد أبرز القادة ورجالات السياسة  الذين عاصروا بناء الدولة منذ الاستقلال في عام 1962، وساهموا في إرساء دعائمها وتحقيق نهضتها وتولى العديد من المناصب على مدى 6 عقود وصولاً إلى تولّيه الإمارة.

خبرته السياسية الواسعة داخليا وخارجيا جعلته يحظى بالإجماع السياسي والشعبي، فقد عاصر تأسيس الدولة وتطورها وعاصر قضايا أمته العربية وتفاعل معها ولذلك كان يؤمن بأنّ قوّة الكويت في وحدة أبنائها، وأنّ تقدّمها وتطوّرها مرهون بتآزرهم وتلاحمهم، كما كان يشدّد دائماً على أنّ الناس سواسية أمام القانون، وأنّ الكويت مسؤولية الجميع.

 

وفي خطابه الأول الذي ألقاه بعد أدائه القسم أميراً للكويت، رسم الشيخ نوّاف رؤيته للمستقبل على خطى الشيخ صباح الأحمد، الذي "ترك إرثاً خالداً يشهد له الجميع داخلياً وخارجياً".

 

ومع أيامه الأولى في إمارة البلاد بدأ الشيخ نواف في تطبيق رؤيته الخاصة للمسار السياسي داخل الكويت، فقد عمل من خلال قراراته وخطاباته على استيعاب المعارضين للحكومة، وحقق أمل وحلم كبير للشعب الكويتي بالمصالحة والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعيداً عن الصدام الذي عانى منه الداخل الكويت لسنوات بعيدة كان لها تأثيرها السلبي على مشروعات التنمية والنهضة.ومن أجل تحقيق ذلك قام بحلّ مجلس الأمّة مرّتين، وجرت الانتخابات التشريعية ثلاث مرّات في عهده، على اعتبار أنّ الشعب يقرّر مصيره في المنعطفات والأزمات.

ودعا الشيخ نواف في خطابه أمام مجلس الأمّة الجديد في عام2020 إلى وضع برنامج إصلاحي شامل لمواجهة التحدّيات.وشهدت فترة حكمه القصيرة تطورا سياسيا لافتا وغير مسبوق في العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة تقوم على عدم التدخّل في شؤونه، من خلال عدم التصويت في انتخابات رئيسه ونائبه ولجانه على اعتبار أنّ الوزراء الـ15 في الكويت يُعتبرون أعضاء في مجلس الأمّة، وبذلك يضافون إلى الأعضاء الـ50 المنتخبين ليصبح المجلس قانوناً مكوّناً من 65 عضواً.

دشن الشيخ نواف “صفحة جديدة” للتخلّص من رواسب الماضي، فأصدر عفوا خاصا عن معارضين ومجموعات مختلفة من المواطنين المدانين بجرائم جنح وجنايات وكان الهدف هو طيّ صفحة الخلافات التي تفسد علاقة  التعاون بين الحكومة والمجلس، من خلال إرضاء تكتّلات نيابية لها وزنها ، وهو ما تحقّق بالفعل، وبالفعل هدأت العلاقة بين السلطتين  منذ الانتخابات الأخيرة في يونيو 2023، وأدتحالة الوئام بين الحكومة ومجلس الأمة الى  إلى تمرير مجموعة كبيرة من القوانين المهمّة، وعبور رئيس الوزراء ووزير التجارة استجوابَيْن في المجلس، من دون أيّ عوائق، بالنظر إلى أنّ الحكومة باتت تحظى بغالبية نيابية كبيرة وقوية.

ويحسب للشيخ نواف بصماته الواضحة في وزارة الداخلية عندما تولاها في عام 2003  وعمل على تطويرها ووضع استراتيجية لمنظومة أمنيّة متكاملة، مع تحديث القطاعات الأمنيّة.

إقليميا وخارجيا، ساهم الشيخ نوّاف في الكثير من الملفّات، من وراء الكواليس، وأهمّها على الإطلاق ملفّ المصالحة الخليجية العربية، الذي واكب فيه جهود الأمير الراحل التي بدأت منذ اندلاع الأزمة في 2017، وأكملها بعد تولّيه الإمارة، وتُوّجت جهوده بطيّ صفحة الخلاف في قمّة العلا السعودية في يناير 2021. واستمر الشيخ نوّاف في الالتزام بمسيرة الشيخ صباح الأحمد في مدّ الجسور مع دول العالم، من بوّابة العلاقات الإنسانية القائمة على مساعدة الدول المحتاجة ومساندة الدول النامية، وتعزيز العلاقات مع جميع الدول على قاعدة عدم التدخّل في شؤونها الداخلية أو محاولة ربط المساعدات بأية شروط.

الشيخ نواف تميز بصفات إنسانية كبيرة فقد عرف عنه التواضع والزهد والتسامح حتى أُطلق عليه اسم “أمير التواضع” و”أمير العفو” و"الأمير الزاهد"، فاقترب من الناس وحرص دائما على تلبية احتياجاتهم، حيث كانوا يشاهدونه في مناسباتهم المختلفة ويستقبلونه في ديوانيّاتهم، سواء في الأفراح أو التعازي أو المناسبات العامّة والخاصة.

كما اشتهر الراحل بزهده وارتياده المسجد وحيداً من دون مرافقة، وكان يقود سيارته بنفسه، وكان المصلّون يحيطون به ويتبادلون معه الأحاديث ويلتقطون معه الصور التذكارية.

رحم الله الشيخ نواف الأمير الـ16 لدولة الكويت

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة